وجود الله

الحجة الأخلاقية لوجود الله! كيف نفسر القانون الأخلاقي الموجود دائمًا في جميع المجتمعات؟

د. جوش مكدويل

الحجة الأخلاقية لوجود الله! كيف نفسر القانون الأخلاقي الموجود دائمًا في جميع المجتمعات؟

تتمتع كل ثقافة إنسانية بقانون أخلاقي. ونجد ذلك في سجلات الثقافة السابقة، وكذا في جميع المجتمعات الحالية. والمدهش أن أخلاق جميع هذه المجتمعات تتشابه، مهما كانت متباعدة إلى حد كبير في الوقت أو الجغرافيا أو التطور الثقافي أو المعتقد الديني، وتختلف الأخلاق الواردة بالوصايا العشر اليهودية، وشريعة حمورابي البابلية، والتاوية الصينية، والعهد الجديد في المسيحية في التفاصيل والتركيز، ولكن ليس في الجوهر. على سبيل المثل، تسمح بعض المجتمعات للأفراد بالقتل من أجل الانتقام، في حين أن يصر آخرون أن الإعدام حق من اختصاص الدولة، وتسمح بعض المجتمعات بالحرية في العلاقات الجنسية قبل الزواج، أو تسمح للرجال بالزواج من أكثر زوجة واحدة، في حين يمنع البعض الآخر هذا السلوك. لكن الجميع لديهم قواعد تنص على أن الناس لا يمكن أن يقتلوا الآخرين عندما يرغبون في ذلك، أو ينخرطوا في ممارسة الجنس مع أي شخص يريدونه. وتحمي هذه القوانين الحياة الإنسانية، وهي قوانين تحكم الزواج والعلاقات الأسرية، وتدين السرقة، وتشجع على فعل الخير للآخرين.

على مر التاريخ، نفذت المجتمعات القواعد الأخلاقية بصرامة، في حين تهاون البعض الآخر في تنفيذ نقطة واحدة أو أكثر. وفي أي مجتمع، يقاوم البعض فرض الأخلاق على سلوكهم. وعندما يكتسب عدد كبير من هؤلاء الأشخاص القوة أو الدعم الكافي لموقفهم، يمكن أن يحدث خلل كبير للحس الأخلاقي العالمي بعد ذلك، كما حدث في ألمانيا على يد هتلر، أو قبول قتل الأطفال الإناث في بعض البلدان الآسيوية. ولم تدم هذه الانحرافات طويلاً؛ لأن بعض العناصر داخل المجتمع أو خارجه كانت تغضب غضبًا شديدًا بما فيه الكفاية، وتثور ضد السلوك المنحرف، وتوقفه. وعلى الرغم من مثل هذه الاختلافات والتشوهات، يظهر نفس الحس الأساس للأخلاق أينما يعيش البشر معًا، كما لو أن العديد من الفرق الموسيقية المختلفة تعزف من القطعة الموسيقية المدونة (النوتة) نفسها، لكنهم يكيفون النغمات الموسيقية؛ لتتوافق مع الأدوات الخاصة بهم.

ما تفسير ذلك؟

كيف تفسر القانون الأخلاقي الموجود دائمًا في جميع المجتمعات؟ كيف يمكن تفسير الحس الأخلاقي الذي يعطي بالفعل لكل شخص عاقل على وجه الأرض حسًا فطريًا للتمييز بين الصواب والخطأ؟ لماذا لابد أن يتواجد مثل هذا الحس الأخلاقي بأي حال من الأحوال؟ بدون الرجوع إلى مصدر أعلى، وبالتحديد الله، ما الذي يمكن أن يفسر الحس الأخلاقي المشترك في كل الجنس البشري بأكمله على مدار التاريخ؟ من أين يمكن أن تأتي الأخلاق؟ إذا قلنا إن حدسنا الأخلاقي له أصل في عملية الصدفة العمياء مثل التطور، فإن الأخلاق هي خدعة عشوائية طبيعية حتى تجعلنا نطيع. ويترتب على ذلك أن الأخلاق ليس لها أساس موضوعي، وسيكون من الخطأ الحكم على سلوك معين بأنه خطأ موضوعيًا من خلال حدسنا العميق. هل هذا هو الثمن الذي تود أن تدفعه؟ نعتقد أنه يوجد تفسير أفضل من ذلك؟.

تشير أحد معايير الحق والنقاط الأخلاقية الموضوعية والعالمية والثابتة إلى وجود إله شخصي و أخلاقي.

في رواية “الإخوة كارامازوف”، يقول الروائي الروسي “فيودور دوستويفسكي” باقتدار: “إذا لم نؤمن بخلود الروح، لن نسلك بالفضيلة على الإطلاق، وبالتالي كل شيء مباح وجائز”، وبعبارة أخرى، لو لم يكن الله موجودًا كأساس للأخلاق، فكل شيء مباح. وهذا لا يعني أن الملحدين أو غير المؤمنين سيسلكون بالضرورة بدون التمسك بالفضائل أكثر من المؤمنين، لكن هذا يعني أننا سنفقد الأساس الموضوعي الذي يساعدنا في اتخاذ قرارات أخلاقية. لو لم يكن الله موجودًا، سنفقد القدرة والحق في الحكم على النازيين، وعلى أي شخص آخر نختلف معه أخلاقيًا؛ لأنهم يعتقدون أنهم على صواب، في حين أننا نعتقد أنهم على خطأ. بدون قانون أعلى من البشرية، من الذي سيحدد الحق الأخلاقي؟ لو لم يكن يوجد مصدر أعظم من البشر، ستكون الأخلاق وهمًا من الصعب تفسيره.

لكن إن كان الله موجودًا، سيكون لدينا أساس للأخلاق الموضوعية. يجب أن نكون صادقين؛ لأن الله صادق وأمين. وتنبع الأخلاق من شخصية الله وطبيعته، وهي ملزمة للخليقة. وتشير حقيقة القوانين الأخلاقية الموضوعية إلى وجود مشرع للقوانين الأخلاقية. ولا يمكن تفسير الأخلاق الموضوعية تفسيرًا صحيحًا سوى في وجود الله وشخصيته.

هل يمكن وجود أخلاق مستقلة؟

مع ذلك يجادل البعض على وجود الأخلاق باستقلال عن الله، حيث يؤكدون أننا لا نحتاج إلى الله حتى نكون صالحين أو أشرارًا. لكن هذا التأكيد يقدم مشكلة: كيف نحدد الخير أو الشر بدون وجود معيار أخلاقي متعال؟ على سبيل المثال، جرت العادة على فهم الشر بأنه انحراف عن الخير. وكما أن الغش والاحتيال يشير ضمنًا إلى معيار الأمانة، يتضمن الشر أيضًا معيار الخير. قال “سي. أس. لويس” مقولته المشهورة بأن الشكوى من انحناء العصا لن يكون معقولاً سوى في ضوء مفهوم الأستقامة. وبالمثل، لن يوجد هناك شر سوى أن كان أولاً خير.

لكن إن لم يكن الله موجودًا، فما هو الخير؟ بدون الله، سيكون علينا أن نكتشف معنى الخير بأنفسنا، وسيختفي مفهوم الخير الموضوعي.

ويصبح الخير مصطلحًا نسبيًا في هذه الحالة؛ لأنه ببساطة سيكون: “أي شيء يريده أي واحد منا في لحظة معينة، أو أي تطور قد يوصلنا بدون تفكير أو فهم إلى الإيمان”.

ويعد الوجود المعترف به عالميًا للقيم الأخلاقية الموضوعية أحد الأسباب القوية للإيمان بالله. فكر في هذه الحجة البسيطة:

  1. إذا كانت القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة، فلابد أن الله موجود.
  2. القيم الأخلاقية موجودة.
  3. إذًا لابد أن الله موجود.

نعلم أن القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة بالفعل. وبالتالي فلسنا بحاجة إلى الاقتناع بذلك. وعلى سبيل المثال، من الخطأ تعذيب الأطفال للتسلية. يعرف جميع العقلاء ذلك. لذلك، بما أن القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة، فلابد أن الله موجود أيضًا. وتقدم هذه الحجة الأخلاقية دفاعًا قويًا يؤكد أن الله شخصية أخلاقية موجودة بالفعل.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى