منوعات

أسباب الإلحاد وجذوره

 أسباب الإلحاد وجذوره

  يقول “مؤلف كتاب وهم الإلحاد” أن الإلحاد غالبًا ما يكون نتيجة صدمة يتعرض لها الإنسان تفقده توازنه الفكرى، أو النفسى، أو الروحى، فهو صدمة (علمية- نفسية- روحية- عقلية- ذاتية).

صدمة علمية Scientific shock

بدأ الإلحاد يظهر وينتشر كظاهرة عالمية، ويأخذ موقعه كجزء من الخريطة العالمية، مع بدايات عصر النهضة (Renaissance) في أوروبا (القرن 14-17) واختراع العالم الألمانى يوهان جوتنبرج سنة 1450م للطباعة بالحروف المتحركة، ويبدو أنه قد بدأت نهضة جبارة في كل مجالات الحياة، الثقافية والمعرفية، والطبية والفنية، والجغرافية والعلمية، فتدفقت العلوم والمعارف، واكتشفت كثير من الحقائق التى كان يجهلها الإنسان، مما جعله يعظم العلم وينبهر بالمعرفة، فها هو بالعلم استطاع أن يفسر كثيرًا من الحقائق المجهولة وبدأ الإنسان يحتقر الفكر الدينى، وخاصة أن الكنيسة الغربية هاجمت العلماء وحاكمتهم وناصبت للعلم العداء، ووضعت العلم في مواجهة مع الدين، لذلك بدأت فكرة أن الدين هو من صنع الإنسان الجاهل الذى لم يجد تفسيرًا لكثير من الظواهر، فاخترع وهمًا اسمه(الله) ليفسر به المجهول، وعندما عجز العلم عن تفسير كثير من الحقائق، التى هى أعلى منه، لم يعترف بعجزه ومحدودية نطاقه، إنما اخترع وابتكر نظريات عن أصل الكون، وأصل الإنسان، كنظرية  داروين” (الكائنات الحية خلقت من لا شىء ووجدت نتيجة للمصادفة وأن الطبيعة هى من أوجدت الكائنات الحية عن طريق الصدفة وأن الكائنات الحية خلقت ووجدت من كائنات غير حية)، بالإضافة إلى أن الإنجازات العلمية التى حققها الإنسان في جميع ميادين الحياة، جعلته يشعر أنه ليس في احتياج لله، فهو يستطيع تحقيق كل شىء، مما أدى إلى تراجع الإلحاد القديم، أو منكرًا له والحضور في الإلحاد الحديث، فالإلحاد عمومًا يعتقد أن جوهر مشكلة الإنسان هو عدم تطبيقه للمنهج العلمى والنظرة العلمية، فمنذ القديم تعلق الإنسان بأمور غير مرئية فوقية (وجود الله، وجود الروح، الملائكة، الحياة بعد الموت) لم تستطع أن تحل للإنسان مشاكله، أو أن تجعل العالم أفضل، لذلك رفض كل ما هو روحى وإيمانى وتمسك بما هو علمى تجريبى.

  • صدمة عقلية: intellectual shock

تعرض العقل البشرى للتغييب والتهميش لفترات طويلة على مدار تاريخ البشرية وخاصة في العصور الوسطى في أوروبا ولكن حينما تدفقت العلوم والمعارف، تحرر العقل من القيود والحدود التى قيدته وحدت من قدراته، وسمى عصر النهضة بعصر العقل، ولكن يبدو أن رد فعل العقل كان عنيفًا جدًا وقويًا وفي الإتجاه المضاد، وصارت العقلانية هى شعار الإنسان الجديد، والمادية هى لغة العصر الجديد، لدرجة أنه أصبح لدى الكثيرين هو المقياس الوحيد للحكم على صحة وجود الأشياء من عدمها، واعتمد الإنسان المنهج العقلى الذى لا يصدق إلا ما (يراه أو يسمعه أو يحسه أو يلمسه..)، فلا يصدق إلا ما يراه بعينيه ويلمسه بيديه يحسه بمشاعره، فالملحد لا يرى إلا ما تقع عليه حواسه، ولا يقبل إلا ما يدركه عقله إدراكًا مباشرًا، ولما كان الله بطبيعته غير مرئى وغير منظور وفوق العقل المحدود ولا يخضع للمقاييس البشرية والحواس الضعيفة القاصرة، اصطدمت حقيقة وجود الله بالمنهج العقلى المادى، فأنكره العقل واعتبر وجوده وهمًا وخيالاً، وأنكر حقيقة وجود السماء، ولم يعط اهتمامًا بالحياة الأخرى (لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت).

  • صدمة ذاتية: self shock

تعود جذور الإلحاد المعاصر إلى النزعة الإنسانية التى فجرها عصر النهضة، حيث أصبح الإنسان مركز الثقل بعد أن أزاح الله نقطة الارتكاز في حضارة القرون الوسطى، وهى تلك النزعة القديمة التى أسقطت آدم، فلماذا لا يكون الإنسان إلهًا لنفسه (سيدًا، مرجعًا، متسلطًا) بلا (مرجع، موجه، مرشد)، فلا حاجة لوجود الله، فالإنسان هو إله الإنسان، بالتالى بدأت هذه الحركة ترى في وجود الله تهديد لوجود الإنسان، فإما أن يبقى الله فينتهى الإنسان، وإما أن تموت فكرة الله فيحيا الإنسان، لذلك فإن كان الله موجودًا، فليبق في سمائه وليترك الإنسان إلهًا لهذا الكون، قال الشاعر الفرنسى بريفير: “أبانا الذى في السموات، ابق فيها”، فالاعتقاد بوجود الله يلغى كرامة وسلطان الإنسان على الأرض.

  • صدمة روحية: spiritual shock

من الملاحظ أن الإلحاد ليس حديثًا، فهو قديم، ولكن ما يحدث هو موجات إلحادية تظهر ثم تختفى ثم تظهر مرة أخرى، وهى دائمًا ما تظهر في فترات الضغط الدينى، لذلك بدأ الإلحاد كظاهرة عالمية في العصور الوسطى حينما سيطرت الكنيسة الغربية على السلطة الزمنية، وتورطت في الصراعات والحروب، فصار الخروج على الدولة، هو خروج على الدين، وكان العقاب يتم باسم الدين، ثم جاء الصراع المرير بين البروتستانت والكاثوليك الذى راح ضحيته الآف الضحايا، فتعثر الناس ورفضوا الدين، واعتبروه سببًا في الحروب والنزاعات، حتى ما نعيشه الآن من حرب طاحنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هي حرب دينية، وقضاء هتلر قديمًا على اليهود كان بدوافع دينية، هكذا نظرتهم للدين.. من جهة أخرى نتيجة بعض التعاليم الخاطئة، وتعثر بعض قادة الكنيسة في الغرب في العصور الوسطى، ووقوفهم بجانب الإقطاعيين والمستبدين، بالإضافة إلى الجهل الكتابى ببعض الأحداث والآيات الكتابية، حدث تشوه لصورة الله، ورأى الناس في الله إلهًا ظالمًا، مستبدًا عدو للحرية والإبداع، إله جبار منتقم (ينزل غضبه على الإنسان ويقتل في سبيل التأديب ويرسل إلى جهنم ويضحى بابنه الوحيد لإرضاء عدالته المهانة، وأخيرًا يفنى البشرية في اليوم الأخير).

  • صدمة نفسية: Psychological shock

غالبًا ما يكون للإلحاد جذور نفسية قديمة، مثل الخبرات السيئة أثناء الطفولة، مما يشوه صورة الله، ويعطى انطباعًا بأنه إله قاسٍ وظالم، وهذا ما نكتشفه عندما نقوم بقراءة تاريخ كثير من قادة الإلحاد، أو صدمات نفسية لمن يجتازون تجارب وضيقات ويتعرضون لإزمات مختلفة تعصف بحياتهم، فيتعثرون في الله ويتساءلون: أين هو من الآمنا ولماذا يقف بعيدًا؟!، بالإضافة إلى المظالم والمآسى الموجودة في العالم، الفقر والجوع والحروب، كلها مظاهر تجعل البعض يتساءلون، إن كان الله موجودًا، فلماذا كل هذه المشكلات والشرور والأزمات والمجاعات في العالم؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى