الكتاب المقدس

العقلانيون والكتاب المقدس

روبرتسون ماكويلكن

العقلانيون والكتاب المقدس

  الكتاب المقدس عقلانى لأنه يخاطب العقل. فالواقع أن هدفه هو “تجديد” الذهن وتغييره عن الأفكار السائدة في العالم (رومية12: 2). والكتاب المقدس عقلانى من ناحية أنه حق صرف، ولا يناقض نفسه مطلقًا. وهكذا يتعامل المسيحى مع الكتاب المقدس بعقلانية وليس بدون عقلانية. لكن العقلانية يستدل عليها بنظام للتفسير ينبع من نظرة طبيعية للعالم.  فالعقلانى يعتمد على منطقه الشخصى باعتبار أنه السلطة النهائية المطلقة.  وتنعكس تلك النظرة في الافتراضات المسبقة لدى العقلان: وهى أن ما لا يمكن التحقق منه بواسطة الخبرة المعاصرة أو الفكر المنطقى، لا يمكن قبوله على أنه حقيقى، وبالتالى لا يمكن أن يكون كلمة الله.  فالمعيار النهائى للعقلانى لتحديد ما إذا كان تعليم ما أهل للثقة، هو المنطق الفردى المستقل ذاتيًا.

بالنسبة للعقلانى، توجد ثلاثة أحجار عثرة في الكتاب المقدس لكى يقبله على أنه كله جدير بالثقة، وبالتالى ككلام له سلطان من الله. الأول، بعض تعاليم الكتاب المقدس تم اعتبارها تعاليم لا تليق بالله أخلاقيًا.  فصلوات داود لأجل الانتقام من أعدائه (مزامير اللعنات)، والأوامر بإهلاك شعب كنعان هى أمثلة لمثل تلك العناصر غير المقبولة. لا يسعى العقلانى لتوفيق هذه العناصر مع تعاليم الكتاب المقدس الأكثر قبولاً (بالنسبة له)، ولكنه يؤكد ببساطة على أنهها ليست كلمة الله. وفي السنوات الأخيرة تم إدراج الكثير من تعاليم الكتاب المقدس الأخرى تحت نفس التصنيف بواسطة العقلانيين. فتعاليم الكتاب المقدس عن الطلاق، ودور المرأة في الزواج، وقبول السلطة المدنية، والكثير غيرها قد تم رفضها بسبب ما يطلقون عليه الأسس الاجتماعية.

كما أن هناك عنصرين آخرين في الكتاب المقدس تم رفضهما بواسطة العقلانيين: وهما المعجزات، وعبارات الكتاب المقدس التى يبدو أنها تناقض عبارات أخرى فيه (مثل الشواهد التاريخية التى لا تتفق معًا).

بعد الإصلاح تصاعد انتشار التفسير العقلانى بسبب التقدم العلمى، وفجأة ظهرت أعداد أكبر كثيرًا من المشاكل في الكتاب المقدس مما كانت تعتبر من قبل.  فأية نظرية للعلوم الفيزيقية أو البيولوجية كان يمكن للعقلانى أن يقبلها باعتبار أنها أقرب إلى الصدق من أى شىء يمكن للكتاب المقدس الخاصة بالخلق.  وبتقدم العلم أكثر، ظهر أن عددًا من التفسيرات الكتابية التى كانت مقبولة منذ زمان طويل تتناقض مع النظريات العلمية الناشئة حديثاً.  وهكذا كان العقلانى يميل إلى اتخاذ جانب النظريات العلمية.

وحيث أن العالم المادى ليس هو المحور الرئيسى لتركيز الإعلان الكتابى، فإن الصراع حول النظريات الفيزيقية والبيولوجية، رغم شدته، كان محدودًا.  لكن بميلاد العلوم اسلوكية في القرن التاسع عشر، ازداد بسرعة عدد التعاليم الكتابية التى أصبحت غير مقبولة للعقلانيين.  فقد كان علم النفس وعلم الاجتماع يتجهان مباشرة إلى قلب الإعلان الكتابى، مع الموضوعات العامة، مثل الإنسان، وطبيعته، وعلاقاته، وما يجعله مكتملاً.  واتسعت ساحة المعركة بسرعة لكى تشمل معظم الكتاب المقدس.

كان هؤلاء هم العقلانيون العلمانيون، ولكننا عندما نتحدث عن الافتراضات العقلانية المسبقة في التفسير، فإننا لا نشير أساسًا إلى المواجهة بين المؤمن، الذى يرغب في فهم الكتاب المقدس، والعقلانى غير المؤمن، الذى يهجم من الخارج.  لكننا نتحدث عن أولئك الذين، في سعيهم لفهم الكتاب المقدس، يتبنون اتجاهاً عقلانياً في افتراضاتهم المسبقة.  فيعتمدون بالكامل على العقل أو المنهج “العلمى” في التوصل إلى معنى النص ورسالة الله التى قد تكون هناك.

يعتبر العقلانى فهمه الشخصى (أو فهم شخص آخر) هو السلطة التى يقيم بها العناصر الموجودة في الكتاب المقدس. فإذا كان هناك خطأ ما في الكتاب المقدس، فيجب أن يقوم سخص ما بتحديد وجه الخطأ وما هو الصواب. وبحسب رأى العقلانى، يتم تحديد ذلك بواسطة التفكير البشرى. على هذا الأساس، لا يستطيع العقلانى أن يقبل المعجزات الموجودة في الكتاب المقدس لأنه لم يختبرها هو شخصيًا، وأيضًا لأن الروايات المتعلقة بالمعجزات لا يمكن التحقق منها بواسطة التجربة.  ولذلك يحب تفسير المعجزات إما على أنها سوء فهم للأحداث الطبيعية، أو على أنها أساطير تنمو حول نوع من الأحداث التاريخية أو التخيلية.

على سبيل المثال، بحسب العقلانيين، كان عبور البحر الأحمر فعليًا هو عبور لبحر “ريد”، وهو عبارة عن مستنقع ضحل، الذى استطاع الهاربون الإسرائيليون السير عبره.  نبوات دانيال أيضًا لم يكتبها دانيال نفسه، بل كتبها شخص آخر بعد وقوع الأحداث. بالإضافة إلى أن يسوع لم يطعم الخمسة آلف نسمة، بل أن يسوع استخدم سخاء الصبى الذى أعطاه غذاءه لتحفيز الباقين للمشاركة بغذائهم بسخاء أيضًا. فالافتراض المسبق هو أن المعجزة أمر مستحيل.  لذلك، فبدلاً من اللجوء إلى القواعد العادية التى يستخدمها المؤرخون للتحقق من الأحداث التاريخية، يقوم العقلانى ببساطة باستبعادها على أنها غير مقبولة.  يستخدم نفس هذا المنهج لاستبعاد ما يعتبر تعليم غير مقبول أخلاقيًا، وللمقاطع التى تبدو أنها تناقض البراهين التاريخية الأخرى أو النظريات العلمية المعاصرة.

النتيجة النهائية للمنهج العقلانى في الكتاب المقدس هى ببساطة أنه: لا توجد كلمة أكيدة من الله، بمعنى أن الكتاب المقدس ليست له سلطة مستقلة في ذاته، لأن التفكير البشرى هو السلطة النهائية في الحكم على كل ما يعبر عن نفسه بأنه كلام من الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى