هل استخدم الله التطور لخلق العالم؟
منذ أن نشر تشارلز داروين كتاب “أصول الأجناس” سنة 1859م. والسؤال المطروح على الساحة الكتابية هو: ما هي علاقة سفر التكوين وخلق الإنسان والأجناس بنظرية التطور؟
إذا قبلنا الحقيقة أن الله هو الذي أبدأ الجنس البشري وأوجده، وأنه من خلال أبوينا الأولين آدم وحواء بدأ كل الجنس البشري، فما زلنا نجد أنفسنا أمام السؤال المهم وهو “كيف جاء آدم وحواء إلى الوجود؟” وهنا نجد آراء ونظريات مختلفة تحاول أن تقدم الإجابة على هذا السؤال وتشرح كيف جاء الإنسان الأول إلى الوجود؟ ويتركز الاختلاف بين هذه الآراء فيما إذا كان وجود الإنسان قد اعتمد على أحداث كارثية أم مراحل تطورية أم خلق إلهي.
وللإجابة على هذا السؤال المهم، يمكننا أن نقول إنه توجد اليوم ثلاث إجابات أو نظريات مختلفة وهي:
- نظرية التطور الإلحادية (وتعرف أيضًا بنظرية التطور الطبيعي).
- نظرية التطور الإلهية.
- نظرية الخلق.
أولًا: نظرية التطور الطبيعيNaturalistic Evolution :
توجد اليوم نظريات كثيرة تتحدث عن أصل الإنسان ونشأته، وتقدم معظم هذه النظريات إجابات مختلفة عن تلك التي في الكتاب المقدس. إحدى هذه النظريات نظرية التطور الطبيعيNaturalistic Evolution وهي تقدم إجابة على نشأة الإنسان والكائنات، بل عن الحياة كلها. وتقول هذه النظرية إن الإنسان والحياة وجدا من دون أي تدخل فوق طبيعي supernatural، بل من خلال تطور طبيعي وانتقال من حالة إلى حالة ومن نوع إلى نوع. ولهذا لم تكن الحياة بكل ما فيها بحاجة إلى خالق يخلقها، سواء أكان في البداية أم في مراحل تطورها. بل أوجدت نفسها، وكل شيء وجد وتطور من خلال “الانتخاب الطبيعي” الذي استغرق بلايين السنين. إن كل ما احتاجته الحياة لكي توجد هو عاصفة من الذرات، وأنتجت هذه مع الحركة والوقت والصدفة الحياة. فعالمنا هو نتيجة للصدفة أو لتركيبات عشوائية يطلق عليها اسم “الانتقاء الطبيعي” وبطبيعة الحال، تتعارض هذه النظرية مع الحقيقة الكتابية التي سجلها الوحي الإلهي في أول صفحات الكتاب المقدس، وهي أن الله في البدء خلق السماوات والأرض وكل الحياة بما فيها الإنسان، وأن كل هذه الخليقة بدأت بالخلف من لا شيء.
ثانيًا: نظرية التطور الإلهي Theistic Evolutionists:
ويؤمن أصحاب هذه النظرية بالله وبالكتاب المقدس ويقبلون التعاليم الكتابية، وأهمها أن الله هو الخالق للكون، في الوقت الذي يعتقدون فيه بالتطور. لكن ينقسم المنادون بهذه النظرية إلى قسمين: قسم يقول إن الله لم يكن له دور مباشر في نشأة الحياة. فهو ربما يكون قد خلق مواد البناء وأوجد القوانين الطبيعية، لكنه خليقته تأخذ مجراها وتفعل ما تريد. ومن هنا نشأت الحياة تدريجيًا من مادة غير حية. أما القسم الثاني فيقول إن الله قاد الحياة خطوة بخطوة فخطوة طريق التطور حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن (فالأسماك أنتجت البرمئيات، التي أنتجت بدورها الزواحف، والزواحف أنتجت الطيور، ومن الطيور جاءت الثدييات ومن الثدييات خرج القرد والانسان من أصل واحد). وعليه، فإن سفر التكوين من وجهة نظرهم يشرح حقيقة من خلق الكون لا أكثر، وليس كيف خلق الكون ولهذا فهم يقبلون فكرة التطور كوسيلة عينها الله للخليقة. فالله استخدم التطورليخلق الإنسان، ويعتقدون أن الإنسان تطور من كائن أقل منه هو “الشامبانزي” وهذا التطور هو تطور نوع إلى نوع آخر، أو هو تطور من جنس إلى جنس آخر (من قرد إلى إنسان). يفسر معظم المنادين بهذه النظرية سفر التكوين والأصحاحين الأول والثاني منه تفسيرًا مجازيًا وليس حرفيًا. طبيعية الحال، تعد هذه المحاولة للتوفيق بيت الكتاب المقدس ونظرية التطور محاولة فاشلة، لأن سفر التكوين يؤكد أن الله هو الذي خلق الكون، بينما تعتمد الفكرة الأساسية لنظرية التطور، ببساطة، على أن جميع المخلوقات تطورت بالتدرج من خلية واحدة. وبفضل “المصادفة” وتوافر الشروط الفيزيائية من درجة حرارة ورطوبة وهواء… تكاثرت هذه الخلايا وتولدت عنها سلسلة من المخلوقات بدأت بخلية واحدة ثم تطورت حتى وصلت إلى الإنسان.
ثالثًا: الخلق بأمر إلهي Creationism:
ونقيض لنظرية التطور الطبيعي هو حقيقة أن الله خلق كل شيء، وأن كل الأشياء جاءت إلى حيز الوجود نتيجة تدخل الله المباشر. وهنا نجد أمرين أساسيين وهما: أولًا الإنجاز السريع الذي لم يتجاوز الستة أيام. فالله قد أوجد الكون وكل ما فيه مباشرة بعمله وتدخله المباشر. ثانيًا لقد خلق الله كل الكائنات والأنواع، وكل نوع مختلف عن كل نوع آخر. نجد في سفر التكوين أن آدم وحواء هما أصل كل الجنس البشري، وقد خلقهما الرب على شبهه وصورته، وتختلف هذه الحقيقة الكتابية اختلافًا كليًا مع نظرية التطور. كما أن هناك شيئًا آخر يميز قصة التكوين، وهو أن الله خلق الإنسان من التراب، ونفخ في أنفه نسمة حياة، بينما نجد في نظرية التطور أن خلية بسيطة تطورت إلى إنسان. إن خلق الإنسان في سفر التكوين هو ما نسميه بالخليقة الخاصة Special Creation إنه الإيمان بأن الله قال فكان، هو أمر فصار، ومن خلال قدرة الله وحكمته وجدت السماوات والأرض والكون بكل ما فيه حتى الإنسان. إنه التاريخ اللغوي واللاهوتي الحرفي لقصة الخلق كما أعلنها الرب لنا في تكوين 1 و 2.