منوعات إيمانية
هل يوجد آدم تاريخي؟.. نظرية الأرض الحديثة
وليم باريك |
في رأيي، آدم هو رأس وأصل كل الجنس البشري. وتاريخية آدم هي الأساس لعدد من العقائد الكتابية وترتبط بوحي وعصمة الكتاب المقدس. هذه النظرية التقليدية لآدم ترفض العلم التطوري، وتؤمن بدلاً من ذلك أن الروح القدس أشرف على كاتب سفر التكوين فكتب وصفًا موضوعيًا لأنشطة الله الخلقية في ستة أيام حرفية متتالية.
تقدم الرواية الكتابية آدم كفرد واحد وليس نموذجًا أو رمزًا أو نتاج تطور بيولوجي، ويعتمد عدد من نصوص العهد الجديد على تاريخية آدم. الأهم من ذلك، بدون آدم التاريخي الأول، لن تكون هناك حاجة إلى يسوع، الذي هو آدم الأخير، لعلاج خطية آدم الأولى ونتائجها. يجب على الإنجيليين أن يدافعوا عن تفرد نصوص سفر التكوين وأن يعطوها الأولوية في مقابل نصوص الشرق الأدنى القديم والعلوم الحديثة في جميع جدالات التاريخ البدائي وتاريخ آدم.
مقدمة: أهمية الموضوع
هل كان آدم أول إنسان أم مجرد رأس عشيرة أو قبيلة أو أمة معينة؟ أم لم يكن موجودًا على الإطلاق؟ هل كانت حواء أم الجنس البشري أم مجرد امرأة متزوجة من آدم؟ أم لم تكن شخصية تاريخية أصلاً؟ هذه الأسئلة تتطلب تقييمًا دقيقًا. إن وجهة النظر المسيحية واليهودية التقليدية تجيب تجيب على هذه الأسئلة بتأكيد شديد على أن آدم كان شخصًا تاريخيًا، وليس مجرد ممثل أو رمز للبشر، وأن الله خلق حواء من ضلع من جانب آدم. وحواء هي أم جميع البشر، وليست مجرد نموذج أو رمز.
من جانب آخر، يعتقد جون والتون أنه لا ينبغي لنا أن نرى التراب وضلع الرجل كمكونات مادية فعلية، لكن هذه المواد لها دلالات معنوية فقط. أي “أنها تشير إلى مصير البشر وخضوعهم للموت، ولذلك، فهذه تعليقات وظيفية وليست مادية”. لا يرفض والتون الواقع التاريخي أو البيولوجي لوجود آدم، لكنه يرفض التفسير الحرفي للكتاب المقدس بشأن خلق الرجل والمرأة. بعبارة أخرى، آدم وحواء ليسا أول البشر، ولا الشخصين الوحيدين الموجودين في ذلك الوقت، حيث إنهما يمثلان البشرية جمعاء. تفسيريًا، اعتبار تكوين 1-2 يقدمان آدم كنموذج للإنسانية دون الإشارة إلى خلقه المادي يشبه التفسيرات المجازية للنص. بينما التفسير غير المجازي يفهم أن النص يقدم آدم تاريخي باعتباره رأس الجنس البشري. بدون تاريخية آدم، ستبدو العديد من تعاليم الكتاب المقدس مختلفة تمامًا عن المفاهيم اللاهوتية الإنجيلية أو تفشل في اجتياز اختبار الاتساق المنطقي.
في مقالته: “المسيحية اليوم” عن موضوع تاريخية آدم، يضع ريتشارد أوستلينج حدود مجال الجدل حول آدم التاريخي: “العلم الناشئ يمكن أن ينظر إليه على أنه يتحدى ليس فقط ما يسجله سفر التكوين عن خلق البشر، بل أيضًا تفردهم كمخلوقين على “صورة الله”، والعقيدة المسيحية الخاصة بالخطية الأصلية والسقوط، ونسب يسوع في إنجيل لوقا، وربما الأكثر أهمية، تعاليم بولس الذي يربط آدم التاريخي بالفداء بواسطة المسيح (رومية5: 12-19؛ كورنثوس الأولى15: 20-23، 42-49؛ وخطابه في سفر الأعمال17).
في الحقيقة، الملخص الموجز للجوانب اللاهوتية التي تشكلت على أساس تاريخية آدم وحواء كأبوين أصليين للجنس البشري بأكمله يكشف أهمية الموضوع. آدم التاريخي الذي ينحدر منه جميع البشر هو:
• الأساس للمفهوم الكتابي عن نشاط الله الخلقي.
• الأساس للمفهوم الكتابي عن تاريخ الجنس البشري.
• الأساس للمفهوم الكتابي عن طبيعة الجنس البشري.
• الأساس للمفهوم الكتابي عن أصل وطبيعة الخطية.
• الأساس للمفهوم الكتابي عن أصل وطبيعة الموت.
• الأساس للمفهوم الكتابي عن حقيقة الخلاص من الخطية.
• الأساس لتطور الأحداث التاريخية المسجلة في سفر التكوين.
• والأهم هو أنه الأساس للمفهوم الكتابي عن سلطة الكتاب المقدس والوحي والعصمة.
افتراضات وجهة النظر التقليدية
تعتبر وجهة النظر التقليدية ونظرية الأرض الحديثة وجهان لعملة واحدة. النظرة التقليدية ترفض نظرية الأرض القديمة التي توافق على عمر الأرض ملايين ومليارات السنين التي يقترحها العلم التطوري الحديث. ويوجد عدد من الافتراضات تحت وجهة النظر هذه.
أولاً: تؤكد وجهة النظر التقليدية عادة على أن الله أعطى نصوص التكوين الخاصة بالخليقة لموسى بواسطة وحي خاص. ولذلك فإن الراوي كلي العلم وموثوق به، لأن الكاتب النهائي هو الله نفسه.
وعلى كل حال، إذا كان آدم هو أول إنسان حقًا، فلم يكن هناك شهود عيان من البشر على خلقه. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن من الممكن أن يصف آدم نفسه خلق المرأة، لأنه كان في نوم عميق طوال العملية التي قام بها الله. الشهود الوحيدون هم الله والملائكة. البديل الوحيد للوحي الإلهي هو تقرير من ملاك، وهذا غير محتمل. لا يوجد شهود عيان لأي رواية عن الخلق، سواء رواية الكتاب المقدس أو الروايات الأخرى. ووجهة النظر التقليدية لا تتبنى بالطبع نظرية المصادر.
ثانيًا: تتبني وجهة النظر التقليدية الموقف بأن إعلانات سفر التكوين إلهية وتاريخية ودقيقة. لا تعتمد دقة رواية الكتاب المقدس عن الخلق على تأكيد أحداثه من خلال مصادر خارجية. وتطبق وجهة النظر التقليدية منهجية تفسيرية موحدة مع تكوين 1-11 وباقي الكتاب المقدس. تختلف هذه المنهجية بشكل عميق عن وجهة النظر التي تقول إن عصمة الكتاب المقدس لا تمتد إلى الرواية الكتابية عن أصول الكون والأرض والبشرية.
ثالثًا: سفر التكوين لا يتحدث فقط عن مجموعة عرقية أو قومية معينة. فمن بدايته يتحدث عن الجنس البشري بشكل عام. وحدث برج بابل هو السبب في تشتت الجنس البشري عبر وجه الأرض كلها. ويسرد علم الأنساب في تكوين 5 الأسلاف الفعليين لجميع البشر. أصبح نوح آدم جديدًا بكونه سلف جميع البشر بعد الطوفان. ويغلق تشتت البشر الرسالة العالمية للفصول الأولى من سفر التكوين، لكن “تجزؤ الإنسانية هو خطوة إيجابية إلى الأمام، لأن خطة الخلاص الإلهية تتطلب أداة محددة”. وهكذا فإن تكوين 10 و 11 ينسبان كل الشعوب ذات الأهمية الاجتماعية والسياسية إلى إبراهيم، الشخص الذي سيأتي منه الفادي. ويسجل تكوين 1-11 “أصول الكون وخطط الله للتواصل معه، وخاصة مع البشر”. بينما يتناول تكوين 12-50 أصول إسرائيل.
رابعًا: يبدو أن كتبة الكتاب المقدس وكلا العهدين يعتبرون آدم أصلاً مشتركًا لجميع البشر عندما يتطرقون لموضوعات متعلقة بتكوين 1-11 (ملاخي2: 10، رومية5: 12-14).
من المثير للاهتمام أن بعض العلماء يعترفون بأن ما يعلنه الكتاب المقدس هو في الواقع ما كان كتبة الكتاب المقدس ينوون قوله. ومع ذلك، فهم لا يعترفون بذلك ليدعموا وجهة النظر التقليدية، ولكنهم يؤمنون بوجود آراء علمية خاطئة كتبها كتبة الكتاب المقدس. يعتقد المفسرون الحداثيون أن الكتاب المقدس عبارة عن سجل لوجهات نظر البشر السابقة للعلم. وتسبب نتائج علم الحفريات الحديث ونظرية التطور في التشكيك في التسلسل الزمني للكتاب المقدس. على سبيل المثال، كتب بيتر إنس أن كتبة الكتاب المقدس “افترضوا أن الأرض مسطحة، وأن الله خلقها في تاريخ حديث نسبيًا (حوالي 4000 عام قبل الميلاد)، وأنها نقطة ثابتة في الكون “تشرق وتغرب الشمس عليها بشكل حرفي”. يتميز توصيف إنس للمعتقدات الإسرائيلية (على سبيل المثال، الأرض المسطحة) بالمبالغة والتفسير الخطئ اللذين يشوهان كلا المؤمنين الحقيقيين في إسرائيل القديمة والنص الكتابي الحالي. الأكثر من ذلك، فإن قوله إن الله استخدم في الكتاب المقدس مفاهيم الشرق الأدنى القديم المليئة بالأخطاء العلمية يطعن في الاتساق الأخلاقي لله.
وبالرغم من أن إنس يسئ تفسير ما يقوله الكتاب حقًا، نرى أن وجهة نظره لا تزال تعترف بأن الكتاب المقدس ينقل بدقة مقاصد كتبته فيها يتعلق بالخلق، وأصل البشر والطوفان العالمي. لذلك إذا كان هذا هو قصد كتبة الكتاب المقدس حقًا، لماذا يجب أن نعتقد أنهم كانوا يؤمنون بغير هذا؟
|