عاش اليهود تحت الحكم الفارسي حوالي 200 سنة من وقت أن هزم كورش البابليين إلى أن غزا الإسكندر الأكبر الإمبراطورية الفارسية في332 ق. م، وابتداء من 323 ق.م حين مات الإسكندر، صارت مصر وفلسطين تحت سيطرة أحد قادة الإسكندر السابقين وهو بطليموس الأول الذي خلفه ابنه بطليموس الثاني في 285 ق. م. وكان بطليموس الثاني حاكمًا عظيمًا شجع العلم. وأصبحت عاصمته الإسكندرية المركز الرئيسي للعلم في عالم البحر المتوسط واشتهرت بمكتبتها الضخمة. وفي زمن بطليموس هجرت أعداد ضخمة من اليهود بلادهم للعمل والدراسة في بلاد أجنبية بما فيها مصر، وكانوا يتكلمون اللغة اليونانية حيث حظوا بتعليم يوناني واكتسبوا الكثير من العادات اليونانية وبمضي الزمن وجد أولئك اليهود المشهورون “بيهود الشتات” أنهم غير قادرين على قراءة كتبهم المقدسة التي كانت مكتوبة بالعبرية، فكانوا في حاجة ماسة إلى ترجمتها لليونانية وقد تم ذلك في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت هذه أول ترجمة للكتاب المقدس.
خطاب يروى قصة
بحسب ما تقوله قصة قديمة، تُرجمت الأسفار العبرية إلى اليونانية بناء على أمر بطليموس الثاني وجاء هذا الخبر في وثيقة قديمة تعرف باسم رسالة أرستياس. ويقول الكاتب أرستياس إنه يكتب من الإسكندرية إلى أخ يسميه فيلوكراتس. ويقول أرستياس لأخيه إن الملك بطليموس طلب من ديمتريوس أمين دار كتبه أن يحصل على نسخة من كل كتاب في العالم ليضمه إلى مكتبته الشهيرة في الإسكندرية. وبعد جمع 200000 مجلد، أبلغ ديمتريوس الملك بذلك، وذكر أنه يريد أن يزيد عدد الكتب في المكتبة إلى 500000، وذكر ديمتريوس أن بين الكتب الناقصة كتب شرائع اليهود التي تستحق الترجمة وإضافتها إلى المكتبة الملكية.
ولرغبته الشديدة في الحصول على ترجمة للأسفار اليهودية، أمر بطليموس أن تكتب رسالة لأليعازار رئيس الكهنة اليهودي في أورشليم طالبًا منه أن يرسل 72 من أفضل علمائه إلى الإسكندرية للقيام بترجمة دقيقة للشريعة اليهودية (أسفار موسى الخمسة) إلى اليونانية. وعندما وصل الاثنان والسبعون عالمًا إلى الإسكندرية (كانوا ستة علماء من كل سبط من أسباط إسرائيل الاثني عشر). وقد قدمت لهم موائد فاخرة وعوملوا كملوك. وأعطى لهم مكان هادئ ليعملوا فيه، في جزيرة صغيرة على بعد ميل في البحر الأبيض المتوسط. فقسم العلماء العمل بينهم مع التشاور فيما بينهم كلما كان العمل يتقدم. فأكملوا الترجمة 72 يومًا. وعندما قرئت الترجمة لجماعة من اليهود المحليين، حازت استحسانًا كبيرًا، وأعلنوا أنها دقيقة حتى إنهم لعنوا كل من يجرؤ على تغيير أي شيء فيها. كما سر الملك بطليموس بالترجمة وأعجب بعبقرية المُشرع. فأعاد العلماء إلى بلدهم محملين بهدايا ثمينة. وهناك جدل كثير حول ما إذا كان خطاب أرستياس صحيح يوثق به أم لا. فبعض العلماء يرون أن الخطاب زائف ويعتقدون أنه قد كتب في الواقع بعد عصر بطليموس، ربما في القرن الثاني أو الأول قبل الميلاد. ولزيادة الارتباك بعد ذلك. هناك أيضًا صور خيالية أخرى للقصة، ففي بعض الصور المسيحية للقصة تمت الترجمة بسبعين عالمًا فقط، مثل السبعين شيخًا الذين كانوا مع موسى في جبل سيناء (خر24: 1- 14). والسبعين تلميذًا الذين أرسلهم الرب يسوع (و10: 1- 20). وربما من هذه الصور المسيحية للقصة، أطلق عليها “الترجمة السبعينية”.
على أية حال. تمت الترجمة وسرعان ما أصبحت هي الترجمة اليونانية المعتمدة للأسفار اليهودية. لكن الترجمة المشار إليها في خطاب أرستياس كانت لأسفار الناموس الخمسة (الخمسة الأسفار الأولى في الكتاب المقدس). وخلال المائتي سنة التالية أو نحو ذلك تمت ترجمة باقي الأسفار من الكتاب المقدس، من العبرية إلى اليونانية، وتعتبر بوجه عام جزءًا من السبعينية.
رواية فيلو للقصة
في القرن الأول قبل الميلاد، قدم فيلو الفليسوف اليهودي السكندري، رؤيته لقصة هذا الخطاب. وبحسب ما قاله فيلو إن المترجمين اجتمعوا في جزيرة فاروس التي بني فيها الملك بطليموس الثاني منارته الشهيرة، والتي هي واحدة من عجائب الدنيا السبع القديمة. وقال فيلو إن جميع العلماء الـ 72 قاموا بترجمة كل كلمة في النص. ورغم احتمالية أن يستخدم كل عالم كلمات مختلفة. في ترجمة نفس الفقرة، إلا أن ما حدث كان أن جميع العلماء الـ 72 استخدموا نفس الكلمات اليونانية بالضبط في ترجمة النص العبري كله. لقد حدث ذلك بشكل معجزي مما جعل الترجمات كلها تكون متطابقة رغم أنهم لم يتشاوروا معًا، كما زعم أرستياس.