المسيح
لماذا لم يخلّص المسيح نفسه من الصليب؟ وماذا يعني صلب شخص آخر غير المسيح ؟
د. فريز صموئيل
يقول المعترضون على صلب المسيح: “إذا كان هو المسيح فلماذا لم يخلص نفسه، حين كان الشعب واقفين ينظرون والرؤساء يسخرون منه معهم قائلين: “قد خلّص آخرين فليخلّص نفسه إن كان هو مسيح الله المختار حقًا. فلماذا لم يخلّص نفسه إذا كان إلهًا او على الأقل إذا كان عيسى”
إن صلب المسيح لم يكن مجرد غلطة رهيبة، أو إساءة للعدل شنيعة، أو مهزلة قضائية مروعة، فليس الرومان من قتلوا المسيح، ولا اليهود بل أن المسيح هو من “وضع حياته” وقد أكد أن له سلطانًا أن يفعل ذلك ويسترد حياته أيضًا (يو10: 17-18).
فلم يكن صلب المسيح حادثًا عرضيًا، بل أنه الحدث المركزي في التاريخ كله، أنه المفتاح الذى لابد منه لفهم المسيحية على حقيقتها، كما أنه مفتاح للأجوبة على الأسئلة الأساسية “من أنا؟، من أين جئت؟، إلى أين ذاهب؟، ولماذا؟”
“كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاث أيام خلص نفسك، وإن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلّصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الأن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده، لأنه قال أنا ابن الله” (مت27: 39-43، واقرأ أيضًا مر15: 29-33؛ لو23: 35-40).
إن هذا الادعاء ليس بجديد فقد قاله المجدفون والمستهزئون للمسيح نفسه، وقد قاله الشيطان للمسيح وقت التجربة (مت4: 3-6).
إن المدعين هنا “علقوا تصديقهم أن المسيح ابن الله على نزوله عن الصليب، ولكن إن كانت كل المعجزات التي أتاها لم تبرهن لهم على صحة تلك القضية. فكيف تثبتها هذه المعجزة الوحيدة. نعم أن المسيح لم يفعل لهم هذه المعجزة التي طلبوها، ولكن أتاهم بأعظم منها، وهى قيامته من القبر، لأن الانتصار على الموت بعد حدوثه هو أعظم من الهرب منه بنزوله عن الصليب، وأكثر الناس كهؤلاء المجدفين يرغبون فى مخلص لا صليب له.. ظنوا عدم تخليصه نفسه هو نتيجة عجزه واستنتجوا من هذا العجز أن كل ما أظهره من المعجزات هو خداع وسحر لم ينتفع بها في أشد الحاجة إليهما فيما أبعد ظنهم عن الحقيقة، لأن علة عدم تخليص نفسه هو إراداته أن يخلّص الآخرين”
والتساؤل هنا: هل لو خلص المسيح نفسه ونزل من على الصليب يؤمن اليهود؟
أقول بكل تأكيد: لا. فلقد سبق المسيح وأوضح ذلك في مثل الغنى ولعازر (لو16: 19-31) فعندما طلب الغني من إبراهيم أن يرسل لعازر إلى إخواته الخمسة، حتى لا يأتوا إلى موضع العذاب، قال له: عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم. وعندما قال له: إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. قال له: إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون.
بل أن اقامة لعازر من الموت كانت سببًا في تآمر الفريسيين على المسيح لا سببًا في إيمانهم به، وعند موت المسيح “القبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين” (مت27: 52-53).
وليس في الكتاب ما يفيد أن شخصًا واحدًا آمن نتيجة لقيامتهم، إن الأعمى لا ينفعه تغيير الألوان ما دام لا يقدر أن يرى، والذين يحكمون على أنفسهم بالعمى الروحي لا ينفعهم المزيد من الشهود ما داموا لا يريدون أن يؤمنوا.
لقد قالوا أو ربما وعدوا أنهم سوف يؤمنون به لو نزل من على الصليب، ولكننا نقول بكل إيمان نحن نؤمن به مسيحًا لأنه لم ينزل من على الصليب.
ثم نحن بدورنا نتساءل:
-
لماذا لم يخلّص المسيح نفسه؟
-
لأنه لهذا جاء، وقد سبق وأخبر بذلك كثيرًا (مت16: 17-20.. الخ).
-
لأن في الصليب إعلانًا لمحبة الله المتجسدة (يو3: 16).
-
لأنه مسيح بالصلب، فقد أتى لبذل نفسه فدية عن الآخرين.
-
لأنه يفعل معجزاته إرضاء لرغبات الآخرين، وهو غير خاضع لأوامرهم وشهواتهم الكاذبة، بل يفعلها في الوقت المناسب ولهدف معين.
هـ – إن المسيح قد عرف أنه ينبغي أن يموت، وأن موته سيحدث ليس لكونه ضحية لا حول له، بسبب قوى الشر المحتشدة ضده، أو بسبب مصير محتم كتب عليه، وإنما لكونه قد تبنى بمحض إرادته غرض أبيه الذى هو تخليص الخطاة. كان سيموت لأجل خلاص الخطاة ويبذل حياته فدية عنهم ليعتقهم (مز10: 45)
-
هل أراد المسيح أن يخلص نفسه ولم يقدر؟
قال المسيح لبطرس عندما أراد الدفاع عنه: “رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا أستطيع أن أطلب من أبي فيقدم لي أكثر من أثنى عشر جيشًا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب، أنه هكذا ينبغي أن يكون” (مت26: 52-54).
-
ماذا لو أراد الله إنقاذ المسيح؟
ما هي الوسيلة التي يمكن أن يلجأ إليها في ذلك الوقت، والتي تتناسب مع عدله وعظمته وما هي النتيجة التي تعود على البشرية بعد ذلك؟
لو أراد الله إنقاذه من الصلب والموت، لكان هناك آلاف الوسائل التي كان في إمكانه استخدامها دون اللجوء للطرق التي لا تليق بعظمة الله وجلاله، والتي تؤدى بالبشرية إلى الضلال.
لو أراد الله إنقاذ، المسيح من الصلب والموت لكان يليق بجلاله وعظمته وقدرته الكلية أن ينقذه بصورة واضحة جلية وظاهرة بأن يرفعه أمام الجميع، كما فعل مع أخنوخ (تك5: 24)، وإيليا (2مل2: 5-11).. فيتمجد الله أمام الجميع، ولا يقع الشعب في ضلالة كبرى.. ولكن إرادة الله كانت أن يقدم المسيح ذاته فداء للبشرية.
في الختام نقول:
صلب أي شخص آخر غير المسيح، وماذا يعنى؟
إن هذا يعنى:
-
إن الله هو خادع البشرية، وحاشا له أن يكون كذلك.
-
عدم صحة الكتاب المقدس.
-
العهد القديم: في نبواته بموت المسيح.
-
العهد الجديد: في كل الأحداث التي ذكرها عن موت المسيح.
-
كذب المسيح نفسه في إخباره عن موته وقيامته والمسيح لا يمكن أن يكون كاذبًا، وهو وجيه في الدنيا والأخرة.
-
خداع الرسل والتلاميذ في منادتهم وكتابتهم عن موت المسيح وقيامته ولا يمكن أن يقدم شخص حياته لموت في سبيل أمر غير حقيقي وغير مؤكد.
-
هدم لكل العقيدة المسيحية، التي بنيت على أساس موت المسيح الفدائي على الصليب.
-
خداع الاختبار المسيحي، في قبول المسيح مخلصًا شخصيًا على أساس موت المسيح على الصليب. وغفران الخطايا بسفك دم المسيح.
-
تكذيب للتاريخ وقد شهد لموت المسيح لا أحباؤه بل أعداؤه وإذا كان هذا. فما هو الدليل على صدق أي شيء. فحقيقة موت المسيح على الصليب حقيقة لا تقبل الشك.