جريدة الطريق

المسيح هو الحل

د. ناجي يوسف

في عالم ضاع فيه الحق والحقيقة وتضاربت فيه الحلول والآراء وفرغت فيه المحتويات من مسمياتها، في عالم كثرت فيه المشاكل والاحتياجات والأسئلة والاستفسارات، في عالم ضاع فيه المجداف والملامح والميناء، في عالم ضاعت فيه معالم الطريق إلى الله وسلك كل واحد سبيله في الوصول إليه سبحانه، وكفر فيه القديم والجديد واستجهل فيه الجديد والقديم، وظهرت فيه الجماعات والفلسفات طالبة من الخلق أن يتبعوها لتصل بهم إلى الله تعالى، تبقى الأسئلة التي حيَّرت الأجيال: ما هو الحل لمشكلات الإنسان واحتياجاته؟ وأين هو الحل لمعرفة الطريق للخالق تبارك اسمه؟ وأين هو الحل لمعرفة الحق؟ وما هو الحق؟

لقد اتفق الناس، بالرغم من اختلاف ديانتهم وخلفياتهم ومعتقداتهم، على أن هناك حلًا، وإلا لانتحر الإنسان ودحر معه المسكونة. نعم، لا بد أن يكون هناك حل وإلا لعاش الإنسان في شقاء وإثم وتعاسة أبدية، وانتهى به المطاف إلى جهنم النار وبئس المصير.

لكن الناس اختلفوا بشأن ما أو مَنْ هو الحل، حيث يرى أصحاب كل دين في الأرض أن دينهم هو الحل، وهم في إيمانهم بدياناتهم أو معتقداتهم على حق، وإلا لما اتبعوا هذا الدين أو اعتنقوا هذه العقيدة. وترى كل جماعة دينية أو فلسفية أنها تملك الحل بالرغم من أنه لم تتقدم جماعة واحدة أو ديانة معينة بأدلة دامغة على أنها تعرف الحل، كل الحل، لمشاكل الإنسان، بما في ذلك المسيحيين الذين لا يجرؤون (وأتكلم على العارفين فيهم والمختبرين بينهم) على أن يرفعوا أصواتهم وينادوا للإنسان المنحدر إلى حضيض مشاكله ثم إلى جهنم النار وبئس المصير.

لا يجرؤون أن يعلنوا أن ديانتهم هي، وهي وحدها، الحل لكل مشكلات الجنس البشرى واحتياجاته. ولعلك يا عزيزي القارئ تلاحظ أن موضوع مقالي هو أن المسيح هو الحل، ولا أقول إن المسيحية هي الحل. نعم، المسيح هو الحل، فالمسيحية إذا خلت من شخص المسيح أصبحت بلا معنى وصار ضررها أكبر من نفعها، وأصبحت ديانة مستحيلة التطبيق، وزادت من شقاء الناس وتعاستهم وبُعدهم عن المولى تبارك اسمه، وإلا فخبِّروني كيف يحب المرء أعداءه ويبارك لاعنيه ويصلى لأجل الذين يسيئون إليه ويضطهدونه؟ وكيف يحول خده الأيسر لمن لطمه على خده الأيمن؟ وكيف يفرح ويتهلل عندما يعيرونه ويطردونه ويقولون عليه كل كلمة شريرة من أجل اسم المسيح؟

هذا ما تطالب به المسيحية المسيحيين أن يفعلوه، فكيف إن لم يملأ شخص المسيح القلب بحبه وغفرانه وقوته وإيمانه؟ وإن كانت المسيحية هي الحل، فأية مسيحية هذه التي تمثل الحل؟ فمع أن كل الطوائف المسيحية تؤمن بمسيح واحد، لكنها، وهذا ليس سرًا، لا تتفق على مسيحية واحدة. نعم هناك مسيح واحد يحبه الجميع، يصغى له الجميع، ويعبده الجميع، ويؤمن به الجميع، لكن هناك المسيحية الإنجيلية، والمسيحية الكاثوليكية، والمسيحية الأرثوذكسية. ولا يملك أي مسيحي، مهما أوتى من علم، أن يثبت لنا على مر التاريخ، منذ أن بدأت المسيحية، أنها كانت، بدون المسيح. وللتدليل على ذلك أقول إن كثيرين من باباوات الكنيسة من العصور المظلمة، والذين نصَّبوا أنفسهم حماة للمسيحية ومطبقين للشريعة وقادة للعميان من الشعب، زجوا بالمسيحيين في غياب الجهل بالمسيحية ووضعوا على الناس أحمالًا عسرة لم يستطع أحد من البشر، ولا هم أنفسهم، أن يحملها، وحاربوا الدول بحملات ادعوا إنها صليبية، وأحرقوا الأبرياء، وحرموا الناس من دخول ملكوت السموات، واشتروا لهم الأماكن المميزة والكراسي الأولى من جنات تجري من تحتها الأنهار، وتقاضوا أجرًا مقابل خدماتهم المزعومة، واخترعوا صكوك الغفران، وثبَّتوا تعاليم وجود المطهر الذي يتعذب فيه الإنسان ليوفي حساب ما عمله من سيئات في الأرض ثم يعود إلى الفردوس بعد أن يدفع ذووهم الأموال الطائلة للكهنة الذين أقاموا أنفسهم بين الله والناس ليذكروا الموتى في شعائرهم ويطلبون من المولى تبارك اسمه أن يفتح لهم أحضان القديسين بعد أن يفتح لهم أبواب السماء، وهم يعلمون أو لا يعلمون (وهذه مصيبة أكبر) أنه لا وساطة ولا كهانة بين الله والناس، وأن الإنسان لا يملك أن يكفِّر عن أخيه الإنسان أو أن يحرمه من دخول السماوات.

فلم نسمع أن السيد المسيح تبارك اسمه ولا تلاميذه من بعده، لا بولس الرسول ولا مرقس الرسول ولا غيرهما، أعطوا الحق لفئة من الناس أن ترتكب ما كان ولا يزال يُرتكب باسم المسيحية حتى اليوم. وعندما أراد المسيحيون أن يجعلوا المسيحية، دون المسيح، هي الحل لمشكلات الإنسان، صلوا للملائكة، وطلبوا من السيدة العذراء أم يسوع له المجد وغيرها من القديسين التشفع لأجلهم وفتح أبواب السماء لهم، وأمروا الناس بالاعتراف للكهنة وإلا لما غُفرت لهم الخطايا. وأصبح الكاهن هو الوسيط بين المولى عز وجل والإنسان، فلا غفران إلا بالاعتراف ولا شركة للمؤمنين بعضهم مع بعض حول مائدة الرب إلا من خلال الكاهن، ومَنْ لا يرضى عنه الكاهن لاختلافه معه في العقيدة أو الرأي أو المصالح لا يحق له أن يشارك في التناول. وزادت المسيحية الخالية من شخص السيد المسيح – تبارك اسمه – من مشاكل الإنسان وخوفه من أخيه الإنسان، وجعلت شريعة الكراهية لمن يضطهدوننا ويسيئون إلينا محل شريعة الحب والغفران والصلاة لأجلهم كما علَّمنا المسيح له المجد. وتصارعت الطوائف المسيحية بعضها مع بعض، وكفَّرت إحداها الأخرى، وفسَّرت كل طائفة الإنجيل على هواها لتضمن سيطرتها على أتباعها، واعتبرت كل طائفة أنها الكنيسة الأم والآخرون هم المنشقون. وانشغل المسيحيون بمشاكلهم بعضهم مع بعض وراح كل منهم يقوى على طائفته، والغالب هو مَنْ يملك عددًا أكبر من العميان الذين يسيرون وراءه ويستحوذ على النسبة الأكبر من الأموال والأوقاف، حتى لو حصل عليها بدون وجه حق، أو حتى باستخدام السلاح، والبطل هو الذي يرفع صوته ضد حكومتنا وأولى الأمر منا. ودخلت الكنيسة في صراعات مادية واجتماعية ودينية مع حكومات القرن العشرين والواحد وعشرين، وأصبحت الضغينة والحقد والكراهية هي شريعة المسيحية التي اخترعها قادة الكنيسة، وليست تلك التي وضع أساسها المحب الودود الوديع المتواضع، شخص الرب يسوع المسيح تبارك اسمه.

إذن فالمسيحية ليست هي الحل، والسبب واضح وبسيط وهو خلو المسيحية هذه الأيام من شخص السيد المسيح، من صفاته وكمالاته وتعاليمه له كل المجد. وعندما أخفقت المسيحية في أن تكون هي الحل فتحت الباب لكل الديانات والفلسفات القديمة والجديدة لترى أنها الحل، وحاولت كل منها أن تطور نفسها لتتماشى مع الانفجار في التقدم الطبي والعلمي والتكنولوجي، وتخلت كل منها عن أساسيات إيمانها حتى يحدث هذا الوفاق. فلم تعد الذبائح الحيوانية تصلح لغفران هذا الكم الهائل من الخطايا وتطهير ملايين البشر من آثامهم، ولم تعد شريعة جلد الزاني وقطع يد السارق تمارس بدقة كما كانت في القديم وإلا لمشى معظم الناس بلا أيدي ولكثر الجلادون واحتاجوا هم أيضًا لمن يجلدهم، وتلاشت فكرة صكوك الغفران وغيرها من المعتقدات البالية.

ووسط هذا الخضم الهائل من الأفكار والفلسفات، الفلاسفة والأنبياء، المصلحين والدعاة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقف رسول من الله شامخًا عاليًا مرتفعًا بين البشر، مصرحًا بما تطن له الآذان، ليعلن للحديثين والقدامى أن مَنْ يشرب من هذا الماء الذي يقدمه العالم كحل لمشكلاته يعطش أيضًا، لكن الحل الوحيد الذي يبحث عنه الإنسان هو أن يشرب المرء من الماء الذي يقدمه السيد المسيح تبارك اسمه، فمن يشرب منه لن يعطش إلى الأبد، ولذا فالمسيح هو الحل.

والآن نقدم الأدلة الدامغة على أن المسيح هو الحل، والأدلة كثيرة لا يمكن حصرها ولكن أهمها ما يلي:
أولًا: المسيح هو الحل لأن هذا إعلان المولى (تبارك اسمه) للبشرية جمعاء، الذي أعلنه في التو واللحظة لأبوينا الأولين، آدم وحواء، بعد أن أغواهما الوسواس الخناس، وأكلا من الشجرة المحرمة، وخضعا لسلطان الرجيم. فبشَّرهما المولى بأن هناك حلًا لمشكلة سقوط الإنسان وانفصاله عن الله، وقال لحواء إنه من نسلها سيأتي مَنْ هو مولود من امرأة، وليس من رجل وامرأة بل من امرأة فقط (أي شخص الرب يسوع المسيح)، وسيسحق رأس الحية (أي إبليس)، ويخلِّص البشرية من براثنه. ولعل أكثر المشاكل التي تواجه الإنسان هي مشكلة الخطية والانفصال عن الله (تبارك اسمه)، فمن يستطيع أن يحل هذه المشكلة للإنسان؟ فالشيطان عدو كل بر موجود، وما زال قادرًا على غواية الإنسان، وكلما أراد الإنسان أن يفعل الحسنى يجد الشر حاضرًا عنده، فيفعل الشر الذي لا يريده، ولا يفعل الخير الذي يريده. ولذا سيظل الإنسان مديونًا وميزان حسناته وسيئاته غير متكافئ، بل ستظل خطاياه كبرى حتى لو كانت الحسنة بعشرة أمثالها ولو ضاعف الله لمن يشاء، فالمرء يحتاج إلى غفران وعفو وصفح من المولى (تبارك اسمه) دون النظر وحساب كمية خطاياه أو وزن أثقالها.

ولعلمه بمشكلة أثقالها وهي الخلاص من عذاب القبر والنار، وورود النعيم الأبدي، والإفلات من جحيم أعده المولى لإبليس وجنوده وأعوانه من البشر، ولعلمه بأنه لا حل لهذه المشكلة إلا بأن يموت بار لأجل الفجار، وبريء لأجل الأثمة والأشرار، ووجيه في الدنيا والآخرة (أي مَنْ تُقبل شفاعته يوم الدين) لأجل موتى بالذنوب والخطايا، صرَّح السيد المسيح (تبارك اسمه) عن نفسه بأنه هو الحل الوحيد لمشكلة الخطية والانفصال عن الله، فقدم نفسه لله ذبيحة وكفارة عن خطايانا وخطايا كل العالمين، فلا حل لمشكلة غفران الخطايا والمعاصي بالتكفير عنها أمام الله إلا في شخص المسيح (تبارك اسمه)، ولذا فالمسيح هو الحل.

ثانيًا: المشكلة الثانية التي تواجه الإنسان والتي لا حل لها إلا في شخص الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) هي مشكلة مواجهة الشيطان الوسواس الخناس، وكيفية التغلب عليه وقهره ووقف سيطرته على النفس البشرية، وعذابه لها في الدنيا، ووعيده باقتناصها في الآخرة. وقد تفنن البشر على مر العصور والأزمان في إيجاد وسائل لقهر هذا العدو اللدود، فمنهم مَنْ حاول إرضاءه بأن قدم له الذبائح الحيوانية والإنسانية – ولا زالت تُقدم حتى الآن – ومنهم مَنْ يصرخون بأنهم عبدة الشيطان لأنهم يؤمنون بأنه القوة التي لا تُقهر، ومنهم مَنْ استكثر من العياذ بالله من الشيطان الرجيم، ومنهم مَنْ أقام حلقات الزار وليالي الذكر لعله يفارق أجسادهم وأنفسهم وأرواحهم بعد أن عذبهم عذابًا أليمًا، ومنهم مَنْ تشفع واستجار بالقديسين وأهل بيت الله، ومنهم مَنْ لبى طلبات الأسياد وارتدى الخواتم والحلقان والجعران والجلباب الأخضر والأبيض تهدئة لنشاط الأسياد، ومنهم مَنْ ارتاد الأضرحة والقبور ومقامات أولياء الله الصالحين، وهناك فئة أخرى استعملت السحر والأحجبة وجلسات الوسائط وغيرها. لكن خلاصة القول إن الشيطان لا يزال حيًا قادرًا على تعذيب الإنسان وليس من وسيلة لقمعه والغلبة عليه. والحل؟

ثالثًا: المسيح هو الحل، جاء هذا الكائن قبل كل الدهور، ومشى في أرضنا، وظن الشيطان أنه كسائر البشر، أفلم يوجد في الهيئة كإنسان؟ وجاء لينخسه كما يفعل مع بقية المولودين من رجل وامرأة، فلم يستطيع أن يمسه. أراد أن يوقعه في الخطية حتى يأخذ سلطانه عليه، فأخذه الرجيم إلى جبل، وصار يجربه، فلم يستطع أن يسقطه، وانتهى الأمر بأن انتهر السيد المسيح (تبارك اسمه) الشيطان فهرب منه.

لم نسمع السيد المسيح (له المجد) يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأنه الوحيد الذي كانت له القدرة على انتهاره وقهره. بل على العكس، رأينا الشياطين تصرخ عندما تراه (له المجد)، وتتوسل إليه تارة لكي لا يرسلها إلى الهاوية (أي مكان العذاب)، وتستعطفه تارة لكي لا يعذبها. رأينا الأبالسة تستأذنه (تبارك اسمه) لكي يسمح لها بالدخول في الخنازير بعد تركها لمجنون كورة الجدريين. فمع أنها كانت مرتعبة منه، متوسلة إليه ألا يعذبها، إلا أنها لم تستطع أن تذهب عن وجهه وتصنع ما تريد، بل كانت مشلولة الإرادة، عاجزة عن الحركة والمقاومة أمام سمو عظمته.

لقد كان (تبارك اسمه) ولا يزال يخرج الشياطين بكلمة من أجساد البشر، ويعذب مَنْ يشاء، ويرسل إلى الهاوية مَنْ يشاء، فهو فعال لما يريد، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون. فإلى كل مَنْ يبحث عن حل لمشكلة عذاب الوسواس الخناس لجسده وفكره وروحه أقول: كف عن محاولاتك وأعلم أن المسيح هو الحل.

مشكلة ثالثة تعترض الإنسان، ولا حل لها إلا في شخص السيد المسيح، وهي مشكلة المرض. فكلما اكتشف الإنسان مصلًا واقيًا أو عقارًا ناجحًا لمرض عضال أرسل له الوسواس مرضًا أبشع لا علاج له. فالشيطان هو الذي يغوي الإنسان لممارسة اللواط والزنا والجنس مع الساقطات والعاهرات، ويفيق الإنسان من غفلته ليرى جسده وقد امتلأ بالفيروسات الفتاكة.

وهناك الأمراض التي لا ذنب لصاحبها في إصابته بها والتي لا علاج لها. وهناك أمراض العصر: السكر، وضغط الدم، وارتفاع نسبة الكولسترول، والسرطان. وكما تفنن البشر في اختراع وسائل للتغلب على الشيطان الرجيم، تفننوا في استخدام نفس الوسائل السابقة الذكر في محاولة لشفاء أجسادهم، حتى جاء ذلك الرسول الكريم صاحب السلطان في ذاته في شفاء الأمراض، فلمس الأبرص فأبرأه، وطلى عين الأعمى بالطين – الذي يمكن أن يعمى المبصرين – ففتح عينيه، وأمر المقعد والمفلوج قائلًا: «قم احمل سريرك، واذهب إلى بيتك»، وأطاعه المريض، وحمل سريره، وذهب إلى بيته. لمسته المرأة نازفة الدم فخرجت قوة منه في الحال، وأرسل كلمته لغلام قائد المئة وهو لا يزال بعيدًا عن منزله، فشُفي الغلام في تلك الساعة. وهو الأمس واليوم وإلى الأبد، مَنْ لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران، وهو لا يزال حيًا، وسيظل إلى أبد الآبدين شافيًا مبرئًا كل مَنْ يثق به ويضع إيمانه في شخصه (تبارك اسمه). ليس ذلك فقط بل قد أعطى أتباعه البسطاء وعشاقه الحكماء قدرة على شفاء المرضى باسمه. إذن، فالمسيح هو الحل.

رابعًا: المسيح هو الحل لمشكلة الموت، وهو «آخر عدو يبطل». فماذا بعد الموت؟ مَنْ يستطيع التكهن بما سيحدث له في ساعته الأخيرة؟ مَنْ يستطيع أن يضمن لنفسه عبورًا سعيدًا من عالم الأحياء إلى عالم الأموات؟ هل هناك حقًا عذاب قبر ونار؟ هل هناك ملائكة تأتى لحساب البشر؟ هل سيصبون الرصاص المغلي في آذان أولئك الذين لا يسمعون لنداء الله؟ هل هناك دود لا يموت ونار لا تُطفأ أُعدت للمغضوب عليهم والضالين؟ هل من ضمان على الأرض يضمن للإنسان أنه لن يتعرض لهذا العذاب الأليم؟ هل من حل؟

المسيح هو الحل. عندما كان بجسده على الأرض أحيا الأجساد، فقال للصغيرة الميتة: «يا صبية لكِ أقول قومي»، ولمس نعش ابن أرملة نايين فهرب الموت من أمامه وقام الميت فدفعه إلى أمه، وصرخ صرخته المدوية أمام قبر لعازر قائلًا: «لعازر، هلم خارجًا»، فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان. هو الوحيد الذي قال: «مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل مَنْ كان حيًا فلن يرى الموت إلى الأبد»، وقال: «أنا حي فأنتم ستحيون»، وحتى أولئك الذين لا يعتنقون المسيحية ما زال كثير منهم يقسم بالمسيح الحي.

لقد أراد الوسواس الخناس أن يمسكه هو نفسه في القبر حتى يتخلص منه، فوضع له أربعة من العسكر ليحرسوه، ووضع ختم الدولة الرومانية العظيم على الحجر الذي دُحرج بصعوبة على قبره، وخوَّف أتباعه حتى لا يقتربوا من القبر، وأنسى تلاميذه أنه قال إنه سيقوم في اليوم الثالث بعد دفنه، وشككهم في أمر قيامته.

لكن كل هذا لم يمسكه (تبارك اسمه)، بل قام ناقضًا أوجاع الموت هاتفًا: «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» ليس ذلك فقط، بل وعد أتباعه والمؤمنين به بأنه سيأتي أيضًا من السماء حتى حيث يكون هو يكونون هم أيضًا. ولذلك يهتف عشاقه ومريدوه: «إن سرتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي.» لذا فالمسيح هو الحل.

المسيح هو الحل لمشكلة الفقر والاحتياجات المادية التي تقصم ظهر البشر في هذه الأيام. وكيف لا يكون هو الحل وهو الذي بارك خمسة أرغفة وسمكتين وكسرهم ووزعها فأشبع بها خمسة آلاف نفس عدا النساء والأولاد؟ وكيف لا يكون هو وحده الحل وقد علَّم أتباعه ألا يقولوا ماذا نأكل أو ماذا نلبس أو ماذا نشرب لأن الآب السماوي يعلم أنهم يحتاجون لهذه كلها، وقال لهم إنه الذي يعتني بالعصافير، فلا يسقط واحد منها إلا بإذن المولى (تبارك اسمه)، وهو يعتني بزنابق الحقل فيلبسها حللًا ولا سليمان الحكيم في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. وقال لهم إنهم أفضل من العصافير ومن زنابق الحقل. لذا فالمسيح هو الحل.

المسيح هو الحل، لأنه الوحيد الذي أعلن للجنس البشرى: «تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم»، فلم يستطع إنسان قط، نبيًا كان أو رسولًا، ملكًا كان أو حكيمًا، أن يتفوه بهذه الكلمات.

المسيح هو الحل، لأنه هو الذي أعلن أنه الطريق والحق الوحيد إلى الله، فقال لليهود قساة القلوب وصلاب الرقاب: «أنا هو الطريق… ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي.»
المسيح هو الحل، لأنه الوحيد الذي استطاع أن يصرح بأنه هو الحق وأنه هو الحياة. فمن لا يعرفه معرفة شخصية لا يعرف الحق، ومَنْ لا يعيش في رحابه لا يعرف الحياة، فقد قال عن نفسه: «أنا هو الطريق والحق والحياة.»

المسيح هو الحل، لأنه هو الوحيد الذي صرَّح بأنه غلب العالم بكل ما فيه من: احتياجات، ومشكلات، ومتطلبات، حين قال لأصحابه: «في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم.»

المسيح هو الحل، لأنه الوحيد إلى أبد الآبدين الذي وعد بأنه يكون معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر: «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر»، فقبور الأنبياء والرسل جميعًا عندنا نزورها، ونتذكرهم، أما قبر السيد المسيح فهو القبر الفارغ الذي يشهد بإمكانية أن يكون معنا كل حين، لأنه حي إلى أبد الآبدين.

المسيح هو الحل، لأنه هو الوحيد الذي وعد أصحابه ومؤمنيه بأنه ذاهب ليعد لهم مكانًا في دار النعيم والخلود، ووعدهم: «وإن مضيتُ وأعددتُ لكم مكانا آتي أيضًا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا.»

المسيح هو الحل، لأنه له وحده السلطان على الطبيعة، والبحر، والأمواج الهائجة، وهو وحده الذي يستطيع أن يأمر الريح فتطيعه، والبحر الهائج فيخضع له، ويصير هدوء عظيم، وهو وحده الذي يستطيع بكلمة من فمه الطاهر أن يهدئ العواصف والرياح التي تزأر في عقل وقلب كل إنسان.

المسيح هو الحل، لأن أسماءه التي أُعطيت له تعلن بوضوح أنه الحل الوحيد لكل مشكلات الإنسان، فهو يسوع (أي مخلِّص) لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا، وهو المسيح (أي الممسوح ملكًا وكاهنًا ونبيًا)، وهو الألف والياء، والبداية والنهاية، ومالك يوم الدين، ورئيس السلام، وملك الملوك، ورب الأرباب الحكيم، الوديع، المتواضع، السلام، العادل… الخ.

فهل تجمعت كل هذه الحقائق والصفات والأفعال والأسماء والتصريحات في شخص آخر عاش على الأرض حتى يومنا هذا غير السيد المسيح حتى يقال عنه إنه هو الحل؟

لكن الآن وقد علمت أنه وحده الحل، يبقى السؤال: ماذا أفعل حتى أحصل على الحل؟ احصل على السيد المسيح. كيف؟ تعال إليه في فترة صمت وهدوء في نفسك. قل له: يا سيدي المسيح، نعم، أنا أعلم الآن أنك أنت الحل، أنت الطريق إلى الله والحياة، أنت الحق الوحيد في هذا العالم المضطرب. هل تسمح الآن بأن تمتلك حياتي، فتصبح مِلكًا لك أنت وحدك؟ هل يمكن أن تملأ حياتي بحبك وعطفك وغفرانك وسلامك؟ ألا تعود فتحييني فأفرح بك، وأعيش لك، وأعشقك، وأموت لك، وأبقى معك إلى أبد الآبدين؟

أعترف بخطئي، وأقر بذنبي. أعلن عدم تمكني من إصلاح حالي وشفاء نفسي. أعلن أنك أنت الطريق إلى الله، وأنك الوسيط بيني وبينه سبحانه والشفيع الوحيد لي يوم الدين. فاقبل توبتي وحررني من إثمي، واغفر خطيتي، وتوفني مع الأبرار، ولك كل الشكر إلى أبد الآبدين. آمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى