د. ناجي يوسف
فجأة وبدون مقدمات، ظهر العابر محمد حجازي على مواقع التواصل الاجتماعي مرة أخرى بعد أن كان قد اختفى بسبب اعتقاله لمدة أربع سنوات، ثم بعدها تحديد إقامته بعيدًا عن أنظار الناس لمدة أربع سنوات أخرى. ظهر بعد خروجه من المعتقل وتسجيله للفيديو الشهير، الذي لسبب أو لآخر، وبطريقة أو أخرى لا تخفى عن المشاهد دوافعها وخباياها، أعلن فيه توبته عن اعتناق المسيحية ورجوعه إلى الإسلام، والذي نطق فيه بالشهادتين، وأقر فيه أنه كان مخطئًا عندما قبل له المسيحية دينًا، و لم يذكر فيه أنه يتنكر لشخص المسيح مُخلِّصًا وفاديًا وضامنًا لحياته الأبدية معه تبارك اسمه في السماء إلى أبد الآبدين. يومها هلل ملايين المسلمين لهذا الخبر، وشاركوا الفيديو بين بعضهم البعض، وكأنهم يشاهدون فريقهم لكرة القدم قد سجل هدفًا عزيزًا غاليًا في مرمى خصومهم من المسيحيين. ولم يكن رد فعل المسيحيين بأفضل منهم، فقد حزن المئات من المسيحيين بسبب ما ظنوه وأسموه ارتداد محمد حجازي عن المسيحية ورجوعه للإسلام مرة أخرى، فمن المُخَلَّصين منهم مَنْ حزن عليه روحيًا لفقدانه الحياة الأبدية في نعيم مع المسيح أعده الله للمؤمنين الصابرين المثابرين المتحملين للاضطهاد والألم المُصرين على إتباعه تعالى إلى نهاية طريق الحياة، ومنهم مَنْ حزن عليه جسديًا، عاطفيًا، بشريًا لا لشيء إلا لاعتبارهم أن خصومهم من المسلمين قد سجلوا هم أيضًا هدفًا كرويًا في مرماهم فأصبحوا من الرابحين والمنتقمين منهم فرحين راقصين مكايدين لهم. الأمر كله كان بين غير العقلاء من الطرفين ليس أكثر من نتيجة ماتش كورة. يومها كتبتُ مقالي المنشور في العدد 132 الصادر في سبتمبر 2016 بجريدة الطريق والحق بعنوان “محمد حجازي، وأنت متى رجعت، ثبِّت إخوتك” صدق الله العظيم. المقال الذي كان واضحًا من عنوانه ان محمد حجازي لا بد أن يعود إلى المسيح إن كان حقًا مولودًا من الله في عائلة المسيح حسب ما يعلنه ويعلِّمه الكتاب المقدس.
هذا المقال سأعاود نشره مرة أخرى ضمن طيات هذا المقال للتذكير بما كتبته فيه في المرة السابقة لأن كل مكوناته كانت وما زالت سارية المفعول، لأنها مبنية على حقائق مسيحية كتابية أعُطيت للناس ممن لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ومَنْ لا ينسخ كلامه، الله الواحد سبحانه وتنازل إلينا في المسيح. لكن الجديد في الأمر هو أننا ما زلنا نتعامل مع قضايا التنصير والأسلمة بنفس الطريقة والعقلية والخلفية المجتمعية والدينية التي كنا نتعامل بها منذ عشرات السنين، الطريقة التي لم تكن تصلح لشيء يومئذٍ فكم بالحري اليوم بعد مرور كل هذه السنين، لذا فهي كتحصيل حاصل ولا يمكن أن تصلح لما نحن فيه الآن من زمن تغير فيه كل شيء، والسبب هو عقلياتنا السقيمة العقيمة المريضة المتجمدة. وأوضح دليل على هذا أن محمد حجازي عاود مرة أخرى ظهوره على وسائل التواصل الاجتماعي بنفس الطريقة التي كان يظهر بها قبل القبض عليه في المرة الأولى، فهلل له المسيحيون كما هللوا له في المرة الأولى وسرعان ما ظهر في لقاء على إحدى القنوات اليوتيوبية ليفحم بعلمه وأفكاره وأبحاثه مقاوميه ويفند حججهم ويكشف كذب ادعاءاتهم على المسيح والمسيحية، مستفيدًا بفترة عزله وتحديد إقامته بالدراسة والتأمل والصلاة التي زادته قوة وصلابة وحججًا مبنية على الكلمة النبوية المسيحية الإلهية التي هي أثبت، فعاود البوليس القبض عليه مرة أخرى في الأسابيع القليلة الماضية، ثم أفرج عنه ليعود مرة أخرى للمكان الأول الذي حُددت فيه إقامته بعد الإفراج عنه في المرة الأولى. ولستُ أستبعد أبدًا أن يُجبَر على تسجيل فيديو آخر يعاود فيه اعتذاره عن الرجوع للمسيح ويعلن فيه عن توبته ويختفي لمدة ثانية لا يعلم طولها أو قصرها إلا الله، علام الغيوب سبحانه وتعالى، فيا له من ماتش سخيف، تلعبه جماعة من غير المحترفين، ويشجعه جمهور من المغيبين، على أرض ملعب من ملاعب الدين. لن يكسب فيه أحد بالقاضية ولن يربحه مَنْ كان من الظالمين، تعذيب وقهر وقصص تحاك ضد المتنصرين، هؤلاء يقاومون المنكر بأيديهم آثمين، وأولئك بقلوبهم غير مكترثين، وآخرون بألسنتهم للأبرياء ذابحون. فما أطول وأقذر ألسنة المتطاولين، الذين هم بمصالحهم الشخصية مهتمون، لا يهمهم وطن ولا أهل ولا عالم يموج بالمتربصين، المهم ألا يبدل أحدهم دينه فيكون أصحابه من الخاسرين، فيا قوم اسمعوا قول الصدق ولا تكونوا بعد اليوم من المتكبرين، اتركوا الإنسان يختار طريقه والحكم للديان يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون ويكون الحكم النهائي لرب العالمين.
أما ما كتبته عن ما حدث مع محمد حجازي في المرة الأولى التي قُبض عليه فيه فكان كالتالي:
محمد حجازي “وأنت متى رجعت، ثبِّت إخوتك” صدق الله العظيم.
لا شك أنه كان مفاجئًا لكل المسيحيين العرب وخاصةً المصريين منهم، ومحزنًا ومحبطًا ومحيرًا للكثيرين من المتنصرين الحقيقيين الذين عرفوا المسيح مُخلِّصًا شخصيًا لحياتهم وانضموا لعائلته، تبارك اسمه، كما كان مبهجًا ومسرًا وشافيًا لكل المسلمين الذين رأوا ذلك الفيديو الذي سجله الشاب محمد حجازي، المتنصر المصري الأشهر، والذي قام برفعه على اليوتيوب وأعلن فيه رجوعه مرة أخرى للإسلام بتاريخ الجمعة 29 يوليو 2016، بعد أن كان طوال سنين كثيرة يؤكد في العديد من اللقاءات والتسجيلات والفيديوهات المرفوعة أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي أنه تقابل مع شخص المسيح يسوع، تبارك اسمه، فغيَّر حياته وأعطى لها معنى وقيمة ونقله من الظلمة إلى النور، على حد تعبيره. حتى قال في إحداها إنه رأى المسيح مرات كثيرة وإنه وامرأته أصبحا مسيحيين عن اقتناع، نتيجة لتغيير حياتهما وبالتالي دينهما، مطالبًا الحكومة المصرية بتغيير أسمائهما في بطاقتهما الشخصية، وقال أكثر من مرة إن هذا حقه الدستوري وإنه لا يريد أن يكتب في شهادة ميلاد ابنته أنها مسلمة. أما بالنسبة لي، وأقول الصدق في المسيح وضميري شاهد لي، إن أمر إعلان حجازي عن توبته ورجوعه للإسلام لم يؤثر فيَّ تأثيرًا كبيرًا لعدة أسباب أسردها في عجالة وهي كالتالي:
1 – إن هذه ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى فيها يقول مسلم ما إنه اعتنق المسيحية، ثم يرجع في كلامه وينسخه، أو بلغة المسلمين وإيمانهم يهتدي ويتوب ويشرح له المولى صدره ويرجع إلى الإسلام، أو يقول مسيحي إنه اعتنق الإسلام ويرجع في كلامه، أو بلغة المسيحيين يرجع من ارتداده إلى المسيحية. فلن يضيف فرد أو ملايين الأفراد من المسلمين وغير المسلمين شيئًا إذا انضموا إلى المسيحية والمسيح ولن ينقص منهما شيء لو غادرهما الملايين من المتنصرين المسلمين أو غير المسلمين أو حتى المسيحيين أنفسهم، فقوة المسيحية ليست بعدد أفرادها ولا مدى تأثيرهم أو سيطرتهم على الأمور والبلاد. قوة المسيحية تكمن في القوة الروحية التى يمنحها إله المسيحية، أي المسيح نفسه، تبارك اسمه، إلى كل من يؤمن به وهي قوة قادرة بالله على هدم حصون الشرير ذاته وأعوانه وحفظ الإنسان نفسه في هذا العالم بلا دنس أو لوم.
فبالنسبة لي محمد حجازى مجرد فرد. نعم، هو غالٍ جدًا على قلب الله، وكان، وفقًا للتعاليم المسيحية الصحيحة، في فكر وخطة المسيح عندما جاء إلى الأرض ومات لأجله، و”ليذوق الموت بنعمة الله لأجل كل واحد”، لخلاص نفسه من عذاب القبر والنار الأبدية وليرد نفسه ويهديه إلى حياة النعيم الأبدي، كما نؤمن نحن المسيحيين، لكن من الناحية البشرية الإنسانية هو مجرد فرد لن يزيد المسيحيين قوة ولن يقلل من شأنهم. أما من الناحية الروحية الإلهية، فوحدة التعامل مع البشر عند الله، سبحانه، هي الفرد، وليست الجماعة أو الأمة أو الشعب، فالمسيح لم يأت لأجل فداء شعب أو أمة أو أصحاب دين بعينه، بل جاء للأفراد كل على حدة، الأفراد من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، جاء ليطلب ويخلِّص ما قد هلك، فهو يهتم بالفرد، كما أنه يهتم بالطبع بالجماعة لكن كأفراد، فالسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من 99 بارًا لا يحتاجون إلى التوبة. وعندما مات اسطفانوس، شهيد المسيحية الأول، رأى السموات مفتوحة (له كفرد) وابن الإنسان (المسيح يسوع، تبارك اسمه) قائمًا عن يمين العظمة (الله، سبحانه) في الأعالي (لاستقباله شخصيًا). ولذا قال المسيح لبطرس تلميذه: «سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت، ثبِّت إخوتك»، وكلها تخاطب الفرد، ولعل هذا هو واحد من الأسباب التي لأجلها لم يقل لنا الكتاب المقدس إننا المسيحيون خير أمة أخرجت للناس.
2- الأمر الثاني الذي لم يجعل لهذا الحدث تأثير كبير عليَّ أنا شخصيًا هو معرفتي بمدى الالتباس والغي والتشويش الذهني الذي يعاني منه الناس في بلادنا العربية، وخاصةً في مصر، عندما نأتي للحديث عن موضوع الأديان، لذا فلكل نظرته الخاصة للموضوع وقناعاته الشخصية ووسائل دفاعه عن وجهة نظره ومعتقده ودينه، ولهذا قد يكون المرء مسلمًا يقرأ الكتاب المقدس أو يعجب بشخصية السيد المسيح وتعاليمه ووصاياه ويشعر أنه قريب منه سبحانه فيتخيل أنه أصبح مسيحيًا أو أنه يريد ان يكون مسيحيًا فيتساءل: كيف أصبح مسيحيًا؟ وما هي الفرائض والطقوس والأوامر والنواهي التي ينبغي ان أسير عليها لأصبح من أتباع المسيح؟ فيفاجأ بأن الأمر مختلف تمامًا عن هذا المفهوم السطحي الإنساني التَدَيُّني؛ فالمسيحية، عندنا نحن المسيحيين على اختلاف طوائفنا ومذاهبنا، ليست ديانة بالمفهوم الإسلامي أو المجتمعي المصري. والمسيحية ليست مذهبًا يُعتنق لمجرد الاقتناع والإيمان العقلي بما تنادي به، والإعجاب بتعاليمها، وحب نبيها وإلهها المسيح يسوع، تبارك اسمه، والصلاة والسلام عليه في كل مرة ينطق المرء باسمه. والمسيحية لا يمكن اعتناقها بترديد شهادتين أو أكثر يصبح الفرد بعد ترديدهما مسيحيًا بأن يقول مثلًا: “لا إله إلا الله يسوع المسيح هو الله”، حتى لو كان المردد لهاتين الشهادتين مؤمنًا بهما بكل عقله ووجدانه. والمسيحية ليست كتابًا محفوظًا في السماء منزَّلًا من عند الله يتلوه المرء آناء الليل وأطراف النهار مع أن لها كتابًا منزَّلًا، الكتاب المقدس الذي نعتبره نحن المسيحيين كتاب الله الوحيد للبشرية جمعاء، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي كتبه أناس الله القديسون مساقين من الروح القدس. والمسيحية ليست تعاليم وأوامر ونواهي وكبائر وصغائر وفرائض من صوم وصلاة وزكاة وحج يلتزم بها المسيحي ليرضي المولى سبحانه وتنازل إلينا، ولكي يتقي غضبه تعالى فهو شديد العقاب، فيكون من خلالها من المسيحيين. المسيحية ببساطة هي المسيح نفسه، المسيح الحي إلى أبد الآبدين، تبارك اسمه، والمتواجد في قلوب كل مَنْ آمن به بقلبه، واعترف به له المجد بلسانه بناءً على إيمانه القلبي، وعندها ينال المؤمن ما يُعرف بالميلاد الثاني أو يصبح خليقة جديدة ويُكتب اسمه في كتاب محفوظ في وجدان المولى، تبارك اسمه، وفي سماه يُدعى “سفر الحياة”.
3- الأمر الثالث هو أن مَنْ يقبل المسيح (ولا أقول المسيحية) وأكرر، مَنْ يقبل المسيح يسوع، تبارك اسمه، مُخلِّصًا شخصيًا من الخطية وفاديًا وملكًا لحياته بالفعل لن يستطيع الخروج منه (أي من المسيح الحي) إطلاقًا مهما قال أو عمل أو أنكر أو حتى جدف على المسيح نفسه، فهذا الخيار ليس بموجود أو متاح في تعاليم المسيح نفسه عن مَنْ يسكنون فيه ويسكن فيهم جلاله بالروح القدس. فكل مَنْ يقبل المسيح يسوع، تبارك اسمه، مُخلِّصًا له من الخطايا والذنوب، أي بحسب تعبير الكتاب المقدس “يولد ثانية أو يولد من فوق أو يولد من الله” بالإيمان بالمسيح مُخلِّصًا وفاديًا وغافرًا للخطايا بعمل صليبه، يعطيه السيد حياة أبدية ويؤكد له أن “الذين في يدي (يد المسيح) لا يستطيع أحد أن يخطفهم منى”. ليس ذلك فقط بل يصبح مولودًا من الله، كما علَّمنا الكتاب المقدس في قوله، تبارك اسمه: “أما كل الذين قبلوه (أي قبلوا المسيح) أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه”. وعليه فالمسيحية الحقيقية، كما قلتُ، هي ليست ديانة يدخلها المرء اليوم ويخرج منها باكرًا أو يعتنقها اليوم ويتحرر ويتنكر لها باكرًا، بل هي ميلاد جديد له من الله، ولذلك يطلق البعض على المؤمنين الحقيقيين بالمسيح اسم المجددين، أو المولودين ثانية، وليست هناك قوة لا في الأرض ولا في السماء يمكن أن تكسر كلمته تعالى وأن تلغي بنوة المؤمنين الحقيقيين لله. فلو فرضنا جدلًا أن تنكَّر الأبناء أنفسهم لأبيهم وقالوا له: أنت لست أبانا بعد اليوم، فهل إذا قال لي ابني: أنت لست أبي من الآن فصاعدًا، لن أدعوك أبي، لن أتكلم إليك، ولن تكون هناك علاقة وشركة معك بعد اليوم، سأعود إلى ما كنتُ عليه سابقًا، أو إذا قلتُ أنا لابني: أنت لست ابني فيما بعد وقمتُ فعلًًا بتغيير هويته وحذفتُ اسمي من بياناته الشخصية، ولم أتقابل معه ولا مرة واحدة طوال السنين العديدة وليست بيننا شركة أو علاقة بأي شكل من الأشكال، بالرغم من كل هذا، فهل من الممكن أن أدعي أنه حقًا وفعلًًا ليس ابني؟ أو أن أثبت أنه ليس من صُلبي؟ بالطبع لا، فالـ DNA المشترك بيننا سيُظهِر أنه ابني، مهما كانت المحاولات لإلغاء هذه الحقيقة، وهكذا هو الحال مع كل مَنْ وُلِدَ من الله، هؤلاء صاروا أبناء الله بالولادة الروحية منه، سبحانه، وهو فعال لما يريد، وهو مَنْ لا يغيِّر ما يخرج من شفتيه ومَنْ لا ينسخ كلامه أو ينقض عهده، فلن تستطيع قوة في الأرض أو السماء أن تغيِّر هذه العلاقة بين المولود ثانيةً وبين الله، تبارك اسمه. وعليه فما جعلني أتقبل ما قاله محمد حجازي من الناحية الروحية في الفيديو سابق الذكر هو أنني قلت لنفسي: لو كان محمد حجازي مولودًا من الله، الأمر الذي لا أشك فيه على الإطلاق، واسمه مكتوب في سفر الحياة المحفوظ في السماويات، فإن جاز التعبير فإن الـ DNA الإلهي المسيحي يجري في كل خلية من خلاياه، ولن يستطيع حتى هو أن يغير من الأمر شيئًا مهما صدر منه أو عنه من توبة ورجوع للإسلام.
4- الأمر الرابع الذي جعلني أتفهم لماذا أصدر محمد حجازي مثل هذا الفيديو، في هذا الوقت بالذات وبهذه الطريقة بالذات، هو أن محمد، كما قلتُ سابقًا، ليس أول الذين أعلنوا عن عدولهم عن تبعية المسيح لسبب أو لآخر ولن يكون آخرهم على الإطلاق. ففي خلال دراستنا لكلمة الله، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نرى أن ما نحن فيه جميعًا كبشر على الأرض من خطية ومرض وتشويش وعبودية للشيطان جاء كله عندما تنكر آدم وحواء لله سبحانه وتعالى وكسرا وصيته بألا يأكلا من شجرة معرفة الخير والشر وصدقا غواية الشيطان ورسبا في الامتحان ولم ينتبها لعمق الحرب الروحية التي كانت ضدهما، وبالتالي كانا يتصرفان كالمغيبين، فكانا من الخاسرين، مع أنهما كانا يريان الله، تبارك اسمه، بعيونهما المجردة وجهًا لوجه، ويمشيان ويتكلمان معه فمًا لفم. ليس كمحمد حجازي الذي لم يكن يراه، سبحانه، إلا بعيون إيمانه بالسيد المسيح. فإن كان اللذان رأياه بالعيان واستمتعا بصحبته في الجنة، بعيدًا عن اضطهاد الأهل والأصدقاء ومباحث أمن الدولة وغيرهم، تنكرا له وسجلا لقطة من حياتهما وقد خسرا كل شيء، فكم بالحري محمد بن حجازي الذي تحمل كل ما تحمل من آلام وعذاب وإهانة وظلم وهجر على كافة المستويات.
أما أقرب وأوضح مثال مطابق لما فعله محمد حجازي بإصداره هذا الفيديو فنراه في الحادثة التي دونها الوحي عن بطرس أحد تلاميذ المسيح، تبارك اسمه، مَنْ قضى معه ثلاث سنوات ونصف ملاصقًا له ورأى بأم عينيه الجسدية معجزاته الخارقات، وسمع بآذنيه اللحميتين صوته اللطيف، تبارك اسمه، يتكلم بأعظم وأرقى ما سمعه البشر من تعاليم ووصايا وأمثال، وأكل وشرب معه من الخمسة خبزات والسمكتين التي أشبع بهما، تبارك اسمه، خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال، ومشى بأمره على مياه البحر المضطرب دون أن يغرق حتى نظر إلى نفسه ورأى اشتداد الأمواج. بطرس كان من دائرته سبحانه المقربة، وكان بصحبته، تبارك اسمه، بالجسد وليس فقط بالإيمان عندما ظهر معه موسى كليم الله وإيليا النبي الناري والذي رأى مجده وعاين عظمته وسمع بأذنه الصوت الذي أقبل على المسيح، تبارك اسمه، من المجد الأسنى على الجبل، المعروف بلغة المسيحيين بجبل التجلي، والذي شهد بقلمه وبفمه ولسانه في رسالته الثانية قائلًا: “لأننا لم نتبع خرافات مصنَّعة، إذ عرَّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته، لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: «هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به». ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء، إذ كنا معه في الجبل المقدس”. بطرس هذا مقدام الرسل يتنكر له أمام جارية وينكره ثلاث مرات، بل وينكر بقسم ويلعن ويحلف: “أني لا أعرف الرجل الذي تقولون عنه” وكأنه لم ير المسيح من قبل ولا عرفه من قريب أو بعيد، وكأنه لم يشهد عنه بنفسه ولم يسمع أن اسمه يسوع وأن صفته وشخصه هو المسيح ابن الله الحي، أي تعين الله الحي نفسه، ويقول الكتاب المقدس في ذلك: “أما بطرس فكان جالسًا خارجًا في الدار فجاءت إليه جارية قائلة: «وأنت كنت مع يسوع الجليلي». فأنكر قدام الجميع قائلًا: «لستُ أدري ما تقولين!» ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك: «وهذا كان مع يسوع الناصري!» فأنكر أيضًا بقسم: «إني لستُ أعرف الرجل!» وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: «حقًا أنت أيضًا منهم، فإن لغتك تظهرك!» فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف الرجل! وللوقت صاح الديك. وفي رواية أخرى يقول الكتاب المقدس عن بطرس: “فابتدأ يلعن ويحلف: «إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه!» وللوقت صاح الديك فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له: «إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات». فخرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًا”.
وفي رأيي الخاص أن هذا الفيديو، فيديو خيانة بطرس أحد حواريي المسيح في حادثة تخليه عن سيده وتظاهره أنه ما عرفه يومًا وإمعانه في الإنكار حيث قال: “إني لا أعرف الرجل”، وكأنه مجرد رجل لا علاقة لبطرس به. هذا الفيلم المسجَّل على أوراق الكتاب المقدس، حيث لم يكن اليوتيوب قد وُجِدَ بعد، ما قصد القدير على الإطلاق برفعه للتشهير والتنكيل وتلطيخ سمعة بطرس والتقليل من احترامه ومكانته أو مهاجمته أو إدانته من المسيحيين الذين لم يتعرضوا لمثل تلك الضغوط التي تعرض لها بطرس حتى أنكر المسيح أمام الجواري والعبيد، بل سجَّل القدير هذا الحدث على صفحات الكتاب المقدس حتى نعلم أننا كلنا في الموازين إلى فوق، وأن أيًا منا مهما كانت قوته أو قدرته على التحمل والعشرة مع المسيح، تبارك اسمه، يمكن أن ينكره سبحانه، خاصةً إن اعتمد بطرس الرسول في القديم، أو محمد حجازي المتنصر المشهور، أو ناجي يوسف، على قوته وقدرته الشخصية الذاتية ونظر إلى صعوبة الموقف وخطورة الظروف المحيطة به، وحسب العواقب والتداعيات والنتائج لتمسكه بالمسيح يسوع ربًا ومُخلِّصًا، وظن أنه بقادر في شخصه أن يسبح ضد التيار وأن يجبر الحكومة على تغيير قوانينهم والاعتراف بما اعتنقه من دين، من وجهة نظرهم، وتدوين اعترافهم في هويته الشخصية.
أيضًا يحدثنا بولس، أحد حواريي المسيح، في سياق سرده لقصة اضطهاده للمسيحيين قبل خلاصه ومقابلته مع المسيح، تبارك اسمه، عن مؤمنين حقيقيين بالمسيح كان يضطرهم بولس أن ينكروا المسيح ويجدفوا على الله وعلى مسيحه، إذ يقول بولس: “وفي كل المجامع كنتُ أعاقبهم (أي المؤمنين بالمسيح) مرارًا كثيرة، واضطرهم إلى التجديف. وإذ أفرط حنقي عليهم كنتُ أطردهم إلى المدن التي في الخارج.” فمحمد حجازي ليس أول مَنْ أنكر المسيح، وهو في رأيي لم ينكره بالمفهوم المسيحي للكلمة، فهو لم يقل كلمة واحدة، في الفيديو الذي أصدره، ضد المسيح وشخصيته وتعاليمه ودينه وإنجيله، واستخدم ذكاءه المعروف عنه في التركيز على رجوعه للإسلام لحسم الكثير من القضايا المتعلقة به وبتاريخه الماضي دون أن ينكر المسيح، وهذا يكفي بالرغم من عدم اتفاقي معه في عمل هذا الفيديو ورفعه على اليوتيوب، فالمسيح الذي وجده محمد حجازي وهو في سن مبكر، والمسيح الذي نجاه من مواقف كثيرة، والمسيح الذي حوَّل أتون النار إلى ممشى يتمشى فيه مع الفتية الثلاثة، كان بقادر على تغيير الظروف وحل عقد النير وإطلاق المأسورين في الحرية.
والسؤال المُلح والذي يبحث له الإنسان عامةً والشخص المسيحي المولود ثانيةً خاصةً عن إجابة مقنعة واضحة وصريحة هو: ما الذي يجعل شخصًا اختبر المسيح منذ أن كان عمره 16 عامًا، ومشى معه كل هذا المشوار، واحتمل العذاب والإهانة والسجن والاضطهاد والحرمان من الأهل والأصدقاء والصراع وغيرها، يعلن عن رجوعه إلى ما كان فيه قبل معرفته بالمسيح؟
أقول في البداية إنه مع أنه ليس هناك من عذر مقبول روحيًا أو إنسانيًا أو دينيًا أمام الله يسمح للمؤمن المولود ثانيةً منه، تبارك اسمه، أن يتنكر للمسيح بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان بالكلام فقط وليس من القلب، نظرًا لوجود الروح القدس في الإنسان والذي يقدر أن يعين المجربين ويشدد الضعفاء ويقوِّم المنحنين، إلا أنه ما أسهل ان نجلس نحن المتفرجين على الأحداث من بعيد على كرسي موسى، كما كان يجلس عليه الكتبة والفريسيون اليهود في القديم ويحكمون على الناس بحرفية الوحي الذي أنزله القدير على عبده موسى، يحكمون دون رحمة أو شفقة واستخدام أحشاء الرأفات. وما أسهل ان نجلس في قصورنا أو بيوتنا أو على كراسينا وأمام تليفزيوناتنا وعلى أسرتنا في درجة حرارة أو برودة نتحكم بها من خلال تكييفاتنا وجناتنا التي تجري من تحتها الأنهار ونصدر أحكامًا عشوائية غبية على مَنْ يذوقون الضرب وسلخ الجلد من اللحم ونزع الأظافر ويُجبرون على شرب البول الآدمي ويُعتدي عليهم جنسيًا حتى لو كانوا رجالًا، ويقاسون العذاب لأجل المسيح في سجون تديرها وحوش كاسرة ترتدي ملابس آدمية ليس إلا، سجون قد لا يصلح بعضها لتربية الحيوانات غير الأليفة. وما أيسر أن نردد أن الكتاب يقول: “مَنْ ينكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السماوات”، ففي مفهومي لهذه الآية أن إنكار المسيح من شخص ما معناه عدم قبوله، تبارك اسمه، مُخلِّصًا شخصيًا وملكًا على حياته من الأصل، وبالتالي فهو تحصيل حاصل ألا يقبله الآب ولا يدخل ضمن المفديين الداخلين إلى ملكوته الإلهي، تبارك اسمه، فالآية لم تقل: مَنْ قال إنني لا أعرف المسيح ينكره، تبارك اسمه، أمام الآب في السماء، وإلا لما دخل بطرس الرسول إلي ملكوت السموات مهما حاول أن يجد إلى ذلك سبيلًا.
أما الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى مثل ما عمله محمد حجازي فهي كثيرة على أي حال، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلى:
1- الفهم الخاطئ لحقيقة المسيحية والتعامل معها من خلال أنها مجرد دين أو طقوس وممارسات وليست علاقة حية يومية مباشرة بين الإنسان وخالقه.
2- عدم الانتباه إلى أن الخلاص من الخطية والانضمام الحقيقي لجسد المسيح الحي الممثل في الكنيسة يكون بالإيمان فقط بالمسيح يسوع، تبارك اسمه، مُخلِّصًا شخصيًا للإنسان، وهذا أمر لا يتممه إلا المولى، تبارك اسمه. أما النمو في السير مع المسيح والنمو في المسيح وفي النعمة بعد قبوله في الحياة فيتوقف على ممارسة أربعة أشياء ضرورية وأساسية ذكرها كاتب سفر الأعمال ولا يمكن النمو في الحياة الروحية المسيحية بدونها، وبالتالي لا يمكن احتمال المشقات ومواجهة الصعاب بدونها. وأقول بكل أسف إن هذه الأمور الأربعة الأساسية والضرورية لنمو الإنسان المسيحي العادي هي بعينها التي يجد المسلم الذي يدخل إلى جسد المسيح صعوبة قصوى في ممارستها وإتباعها، فيصارع من أجل تحقيقها في حياته وعند استحالة ممارستها يبطؤ نموه ويُهزم من الوسواس اللئيم، فيحاول الاعتماد على قوته الذاتية في النمو في الحياة مع المسيح، فيفشل ويقنعه الشيطان أن ما عنده من اختبار روحي مع المسيح ما هو إلا سراب ووهم وأنه في النهاية على كل حال من الخاسرين. وهذه الأمور الأساسية التي يحتاجها العابر إلى المسيح ولا غنى عنها ذُكرت في الآية الواردة في سفر الأعمال والإصحاح الثاني والعدد 46: “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات، وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة” .
أولًا: كانوا يواظبون، والحديث هنا عن المتنصرين أو العابرين من اليهودية إلى المسيح، وما أشبه اليوم بالبارحة. أولئك كانوا يواظبون على تعليم الرسل، فالرسل في ذلك الوقت كانوا هم مصدر التعليم في الكنيسة وكان المتنصرون يواظبون على تعليم الرسل، بالرغم من صعوبة لقائهم واجتماعهم بعضهم مع بعض. وواضح أنهم كانوا يتمتعون بحرية العبادة أكثر مما لدينا اليوم، فكانوا يواظبون على الذهاب إلى الهيكل وكان من حق الرسل أن ينادوا بتعاليمهم المغايرة والمخالفة والتي هي ضد تعاليم الكتبة والفريسيين والرياسات الكهنوتية، ولم يكن أحد يتعرض للرسل ولا للتلاميذ بأذى، ولم يحدث أن قُبض على أحد المتنصرين اليهود بتهمة تغيير دينه إلى المسيحية ولم يحدث أن سُجن أحد بسبب إيمانه بالمسيح، فالقبض على الرسل “لمدة ساعات فقط” كان بسبب مناداتهم في المسيح بالقيامة، الأمر الذي حاول اليهود، أو قل الشيطان، إخفاءه عن اليهود حتى لا يترك اليهود جميعًا عن بكرة أبيهم يهوديتهم ويرتموا في أحضان المسيح. وعندما قُبض على التلاميذ في القديم بواسطة رؤساء الدين، وليس مباحث أمن الدولة، بسبب إيمان أكثر من خمسة آلاف من اليهود بالمسيح، الذي كان لتوه قد شفى إنسانًا مشلولًا مقعدًا من بطن أمه مستخدمًا في ذلك تلميذيه بطرس ويوحنا، كان للتلاميذ الحق في أن يعلنوا عن إيمانهم بالمسيح وتحولهم من اليهودية إليه، تبارك اسمه، في شجاعة ويبشروا اليهود حتى في الهيكل وأمام رؤساء الدين والكهنة والشيوخ الذين عندما هددوا بطرس ويوحنا وأمروهما ألا يناديا بهذا الاسم، اسم يسوع مرة أخرى، أجابهما التلميذان كما جاء في المقطع الكتابي: “إن كان حقًا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله، فاحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا”. وبعدما هددوهما أيضًا أطلقوهما، إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب، لأن الجميع كانوا يمجدون الله على ما جرى”. وبالرغم من كره رؤساء الدين اليهودي للمسيح نفسه ولأتباعه ودينه، إلا أنهم كانوا يخافون من الشعب، ويعملون ألف حساب للشعب، فلم يستطيعوا سوى أن يهددوا التلميذين ويطلقوهما، دون حبس أو ضرب أو إهانة أو استتابة. أما نحن فلقد رجعنا بردود أفعالنا وتصرفاتنا وتعاملنا مع مَنْ يختلف معنا في الدين أو العقيدة أو التوجه إلى ما قبل القرن الأول، أي قبل المسيحية والإسلام. ولا خوف من الشعب المسيحي كله حتى لو كان عدده 16 مليون وأكثر، وحتى لو كانوا هم أصحاب الأرض، وأصحاب الدين الذي يدعو لمحبة الأعداء ومباركة اللاعنين، وبالتالي إذا كان رؤساء الدين لا يخافون أصحاب المسيح، فكم وكم المتنصرين! فالمتنصرون محرومون حتى من حضور الكنائس ودراسة الكتاب المقدس أو الحصول على أية مواد أو دراسات مسيحية، حتى لقراءتها في غرف نومهم وليس في الكنيسة أو الهيكل.
ليس ذلك فقط، بل كان من حق المتنصرين والمؤمنين بالمسيح يسوع، تبارك اسمه، أن يعلنوا عن إيمانهم ويتوجهوا للهيكل ويجتمعوا داخل الهيكل ويتلقوا تعاليم الدين الجديد بكل تفاصيله في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من أعداء الدين الجديد، وواضح أن التعليم الذي كان يتلقاه اليهود علنًا دون إخفاء أو خوف أو تكفير أو اتهام بازدراء الأديان هو أن عهد الناموس والوصايا والفرائض والاغتسال والوضوء والصلوات في زوايا الشوارع والميادين العامة والأصوام والإفطار والحج إلى بيت الله في أورشليم وذبح الأضاحي كلها لم تعد أمورًا ذات قيمة بعد أن أتمها المولى، تبارك اسمه، لنفسه في تقديمه شخص المسيح على الصليب مرة واحدة، فوجد لنا فداءً أبديًا. ومع كل هذا الاختلاف في الرأي والتعليم منفردًا أو مجتمعًا، لم نسمع أن أحدهم كبيرًا أو صغيرًا، كاتبًا أو مفكرًا، ولدًا في الإعدادية والثانوية أو شيخًا في أواخر السبعينات من عمره، قد قبضت عليه حكومة اليهود بتهمة ازدراء الأديان، أو الإساءة لنبي الله موسى وتعاليمه وكتابه، ولا قُدم أحد للمحاكمة ولا حُكم عليه بسنة أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات، حتى على سبيل قرصة الودن، كما قيل عن أحد الأحكام القضائية التي أصدرها صاحب المقام الرفيع والمستشار الجليل (والسابقة هي ديباجة رسمية لا بد من ذكرها في حالة النطق باسم أحد قضاتنا في مصر) ضد مجموعة من المراهقين مثلوا مشهدًا فكاهيًا مدته 30 ثانية لما تعمله داعش من صلاة وتقتيل للناس في نفس الوقت. اليوم لا يستطيع المسيحي أن يصلي في بيته وبين أهله ليس في بيت الله فحسب دون مراقبة ومتابعة. اليوم أصبح مَنْ يخالفون المسيحيين في الفكر والإيمان هم الذين من حقهم أن يوقفوهم عن الصلاة لإلههم، حتى لو لم يكونوا من المسئولين في الدولة، ويكفي أن يُتهم مسيحي يبنى بيتًا له بأنه يبنى كنيسة، فتقوم القيامة ويُهدم البيت ويُشرد مَنْ يبقى سليمًا أو حيًا فيه ويُنقل ليعيش في مدينة أخرى. اليوم أصبح كل مَنْ يتكلم حتى عن دينه متهمًا بازدراء دين الأغلبية ما دام يخالف ما قاله تعاليم دين الأغلبية، وإذا لم يقتنع كاتب أو كاتبة بمسألة ذبح الأضاحي أو زواج القصر وعبَّر عن رأيه صراحة اتُهم بازدراء الأديان وأجبر على الفرار من مصر كلها، وهكذا يستمر الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء الذي لن ينصفه بل ينكسه.
وهكذا يمتد الأمر إلى بقية ما يعرف بوسائط النعمة في المسيحية والمذكورة في نفس المقطع من كسر الخبز والشركة بين المؤمنين وصلوات الجماعة في الكنيسة. فالمتنصر مغترب في بيته، مغترب في عالمه، مغترب وسط أصدقائه، مغترب بين المسيحيين، مغترب حتى في الكنيسة إذا تجرأ وحضر إحدى الكنائس، مضطهد مراقب يظهر عكس ما يبطن، مطارد، أولاده في البيت مسيحيون وفي المدرسة مسلمون، مطارد من قوات الشر الروحية في السماويات، وإذا تجرأ عدد من المتنصرين على أن يقيموا اجتماعًا سريًا لهم في بيت أو ما شابه، تابعتهم قوات الأمن بلا هوادة من ناحية وجبن الغالبية العظمى من القادة الدينيين وأصحاب الكراسي المسيحية المصرية عن الدفاع عنهم وحمايتهم، وخافت الغالبية العظمى من معلمي الكلمة الحقيقيين من مد يد العون لهم لزوم نموهم، وغالبًا ما تولى أمرهم وتعليمهم المبادئ المسيحية متنصر منهم، وغالبًا ما يكون قليل الخبرة والحكمة والدراسة في كلمة الله المعصومة، الكتاب المقدس، للأسباب سابقة الذكر، فتختلط التعاليم المسيحية بالإسلامية، فتنتج تركيبة دينية تعليمية عجيبة لا هي مسيحية خالصة ولا هي إسلامية خالصة، كالخلط بين تعليم الإيمان والسير مع المسيح من نعمة وجهاد، إيمان وأعمال، حلال وحرام، حرية في المسيح وعبودية لأركان العالم الماضي، وهذا بدوره يؤثر على نموهم. وعليه فكما قلتُ، المتنصر يصارع حتى يبقى على علاقة شخصية بالمسيح وأكثرهم يستسلمون ويرجعون ويتوهون في عالم غادر أصم وُضِعَ في الشرير، ولولا رحمة الله وحفظه وتشجيعه للمتنصرين، لما عرفنا أنهم بموجودين.
3- الأمر الثالث الذي يمكن أن يؤدي لما عمله حجازي هو الخلط بين السياسة والدين، الحياة المسيحية الحقيقية والانغماس في نشاطات منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بكل قضاياه دون تكليف خاص للشخص المعين من قِبل المولى، تبارك اسمه، ودون وجود قامة روحية عالية تضمن خضوع المتنصر لروح الله في كل ما يعمل أو يقول أو يشارك فيه من قضايا حقوقية. فواحدة من وسائل استنزاف المؤمنين الحقيقيين بالمسيح هي أن يُبتلع المتنصر الحقيقي المؤمن الخادم للمسيح في الدفاع عن حقوقه وحقوق إخوته من المتنصرين أو حتى المسيحيين بكل الطرق دون أن يرجع إلى مرجعنا الوحيد في المسيحية وهو روح الله القدوس لأخذ التكليف الخاص بذلك. ومع أنني ضد السلبية على الخط المستقيم وضد عدم التواجد بصورة فعالة في المجتمع الذي نعيش فيه، لكنني ضد أن تكون أسلحتنا التي نواجه بها العالم وما فيه ومن فيه أسلحة منطقية جسدية سياسية عنجهية عنترية إلى آخره. المؤمن الحقيقي بالمسيح لا يختار لنفسه إن كان سيتحدي الحكومة والبوليس ويطلب تغيير القانون الأرضي بالقوة أم لا؛ نعم، هو مطالب بأن يكون له تواجد في الأحداث والتعبير عن رأيه بصورة واضحة وصريحة، لكننا لسنا مدعوين لفعل ما نستحسنه من طبيعتنا البشرية، فهناك من المؤمنين مَنْ كتب عنهم: “قبلوا سلب أموالهم بفرح، وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة” لا لجبنهم ولا لتقاعسهم عن الدفاع عن أنفسهم وإخوانهم، بل إطاعة لأمر المولى لهم بالذات في مواقف محددة بالذات من قِبل روح الله القدوس، ولا بد من الانتباه إلى أننا مطالبون بأن نميز الأرواح التي تواجهنا ونفطن لمدى تأثيرها علينا كمؤمنين سواء مسيحيين أو متنصرين، فإن محاربتنا كمسيحيين حقيقيين ليست مع لحم ودم، حكومة أو بوليس مسلمين أو مسيحيين أو مَنْ يخالفوننا في الدين والعقيدة، بل وفقًا ما جاء بالكتاب المقدس “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات”.
4- بالرغم من سوء ما عمله محمد حجازي من تسجيل ونشر هذا الفيديو على اليوتيوب، إلا أنه قدم للعالم كله صورة حية مسجلة بالصوت والصورة، فمحمد حجازي قدم الحقيقة في أمور كثيرة من بينها ما يحدث مع مسلم مصري يؤمن بالمسيح من إنكار حقه في كتابة ديانته الجديدة في هويته والحياة باسم لا يعبِّر عن إيمانه وقناعاته إلى ما يحدث مع متنصر يطالب بحقوقه من القبض والتعذيب والإجبار على ترك ديانته التي اختارها والعودة إلى ما كان عليه. العالم كله سمع بقصة محمد حجازي، والعالم كله سمع وسيسمع لسنين قادمة بأنه سجَّل هذا الشريط ورد فعل العالم كله الاقتناع التام بانعدام حقوق الإنسان في مصر، فمن سيصدق هذه الرواية الخطيرة؟!
5- أما بالنسبة للشعب المسيحي وقادة الكنيسة، فليت هذا الفيديو يكون كناقوس يضرب في عقولهم وقلوبهم ليصحوا من غفلتهم ويعرفوا أن عليهم دورًا كبيرًا للقيام به، ليس فقط بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها كما أمرنا السيد له المجد، بل دورهم الأكبر في الرعاية والسهر على نمو أمثال محمد حجازي في النعمة، حتى يتحمل ويعرف كيف يميز الحرب الروحية التي تبدأ ضده بمجرد قبوله للمسيح ويرتفع إيمانه وإصراره على تبعية المسيح ويهتف: “مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ كما هو مكتوب: «إننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح». ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا”.
أخيرًا أقول: قد يسمح القدير أن ينكره بطرس، ويضطهد بولس أتباعه ويضطرهم للتجديف، ويعلن محمد حجازي رجوعه للإسلام، وأن يسمح للشيطان أن يعمل حربًا مع القديسين ويغلبهم، كما ورد في سفر الرؤيا، لكن المسيح لن يُهزم أبدًا، والمولود من الله لا يهلك وجلاله قادر أن يُخرِج من الآكل أُكلًا ومن الجافي حلاوة، ويحوِّل الأتون إلى ممشى، وجب الأسود إلى اختبار عن قدرته، جل شأنه، وهو مَنْ ائتمن بطرس المتنكر له أمام العبيد والجواري وطلب منه أنه متى رجع إلى إخوته يكون هو الشخص الذي يقوم بتثبيتهم على الإيمان. قد يستخدم المولى، تبارك اسمه، المواقف المُخجلة والمُحزنة التي نعملها أو نمر بها لتكون سببًا في نمونا وأداة للشهادة للآخرين وتحذيرهم وتبصيرهم وإرشادهم وتثبيتهم على الحق المُسَلَّم لنا من الله، لذا فكلمتي الأخيرة لمحمد حجازي: “وأنت متى رجعت، ثبِّت إخوتك”.