ماذا يحدث في شمال غرب سوريا، ولماذا الآن؟
شنت فصائل المعارضة المسلحة أكبر هجوم لها ضد الحكومة السورية منذ سنوات، واستولت على مساحة واسعة من الأراضي شمال غرب سوريا، بما في ذلك معظم مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بعد سحب الجيش السوري لقواته بسرعة منها.
وتخوض الفصائل معارك ضد الجيش السوري بالقرب من مدينة حماة وسط البلاد، بينما تنفّذ روسيا، الحليف الرئيسي للحكومة السورية، ضربات جوية ضدهم.
لماذا هناك حرب في سوريا؟
تحولت انتفاضة سلمية مؤيدة للديمقراطية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011 إلى حرب أهلية شاملة دمرت البلاد وجذبت قوى إقليمية وعالمية.
وقُتل أكثر من نصف مليون شخص وأُجبر 12 مليونًا على الفرار من منازلهم، نحو خمسة ملايين منهم لاجئون أو طالبو لجوء في الخارج.
قبل هجوم قوات المعارضة، بدا الأمر كما لو أن الحرب قد انتهت فعليًا بعد استعادة حكومة الأسد السيطرة على المدن بمساعدة روسيا وإيران وقوات مدعومة منها، ومع ذلك، لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خارج سيطرة الحكومة المباشرة.
وتشمل هذه الأجزاء مناطق شمالية وشرقية يسيطر عليها تحالف جماعات مسلحة بقيادة الأكراد يحظى بدعم الولايات المتحدة.
ويقع آخر معقل متبقٍ للمعارضة المسلحة في محافظتي حلب وإدلب في الشمال الغربي، والتي تقع على الحدود مع تركيا ويقطنها أكثر من أربعة ملايين شخص، نزح العديد منهم.
وتسيطر جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية المسلحة على الشمال الغربي، كما يسيطر الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على أراض هناك بدعم من القوات التركية.
ما هي هيئة تحرير الشام؟
تأسست هيئة تحرير الشام في عام 2012، تحت اسم مختلف وهو جبهة النصرة، وأعلنت الولاء لتنظيم القاعدة في العام التالي.
كانت جبهة النصرة تعتبر واحدة من أكثر الجماعات فعالية وفتكًا من بين الجماعات التي عارضت الرئيس الأسد، لكن يبدو أن أيديولوجيتها الجهادية كانت قوتها الدافعة بدلًا من الحماسة الثورية، وكان يُنظر إليها في ذلك الوقت على أنها على نقيض مع التحالف الرئيسي المعروف باسم الجيش السوري الحر.
في عام 2016، قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع القاعدة واتخذت اسم هيئة تحرير الشام عندما اندمجت مع فصائل أخرى بعد عام، ومع ذلك، لا تزال الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدد من البلدان الأخرى تعتبر هيئة تحرير الشام تابعة لتنظيم القاعدة وغالبًا ما تشير إليها باسم جبهة النصرة.
عززت هيئة تحرير الشام قوتها في محافظتي إدلب وحلب من خلال سحق منافسيها، بما في ذلك خلايا تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتشكيل ما يسمى بحكومة الإنقاذ السورية لإدارة المنطقة.
الهدف الرئيسي لهيئة تحرير الشام هو الإطاحة بالأسد وإقامة شكل من أشكال الحكم الإسلامي، لكنها لم تظهر أي علامة على محاولة إعادة إشعال الصراع على نطاق واسع وتجديد تحديها لحكم الأسد حتى الآن.
لماذا شنّت المعارضة المسلحة الهجوم؟
لعدة سنوات، ظلت إدلب ساحة معركة، حيث حاولت قوات الحكومة السورية استعادة السيطرة عليها.
ولكن في عام 2020، توسطت تركيا وروسيا في وقف إطلاق النار لوقف محاولات الحكومة لاستعادة إدلب، وصمد وقف إطلاق النار إلى حد كبير على الرغم من القتال المتقطع.
في أكتوبر 2024، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا إن هيئة تحرير الشام نفذت غارات كبيرة على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، واستأنفت روسيا الضربات الجوية لأول مرة منذ أشهر، وكثفت القوات الموالية للحكومة بشكل كبير من الغارات بطائرات بدون طيار وقصف قوات المعارضة.
وفي يوم الأربعاء الماضي، قالت هيئة تحرير الشام والجماعات المتحالفة معها إنها شنت هجومًا “لردع العدوان”، متهمة الحكومة والقوات المدعومة من إيران المتحالفة معها بالتصعيد في الشمال الغربي.
لكن ما حصل جاء في وقت كانت فيه الحكومة السورية وحلفاؤها منشغلين بصراعات أخرى.
لقد عانت جماعة حزب الله اللبنانية، والتي لعبت دورًا حاسمًا في مساعدة الأسد على صد المعارضة في السنوات الأولى، مؤخرًا من الهجوم الإسرائيلي في لبنان، في حين أدت الضربات الإسرائيلية إلى القضاء على القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا وتدهورت خطوط الإمداد للقوات الموالية للحكومة هناك، كما تشتت انتباه روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وفي مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان يوم الاثنين، ألقى باللوم على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في الهجوم، قائلًا إنهم يحاولون “إعادة رسم خارطة” المنطقة.
وأكد بزشكيان أن إيران تقف “بقوة إلى جانب الحكومة والشعب السوري”، وأن الحفاظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها يشكل حجر الزاوية في إستراتيجيتها الإقليمية.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا تعتبر أيضًا الوضع بشأن حلب “هجومًا على السيادة السورية”، وأنها “تؤيد قيام السلطات السورية بإعادة النظام إلى المنطقة واستعادة الوضع الدستوري في أقرب وقت ممكن”.
ماذا تقول القوى الغربية وتركيا؟
أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا -وهي دول معارضة للأسد- بيانًا مشتركًا يوم الاثنين حثت فيه على “خفض التصعيد من قبل جميع الأطراف وحماية المدنيين والبنية التحتية لمنع المزيد من النزوح وتعطيل وصول المساعدات الإنسانية”.
كما دعوا إلى “حل سياسي بقيادة سوريا للصراع” كما هو موضح في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعام 2015.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض شون سافيت يوم السبت، إن رفض الأسد الانخراط في عملية سياسية و”اعتماده على روسيا وإيران، خلق الظروف التي باتت تتكشف الآن”.
وأصرّ أيضًا على أن “الولايات المتحدة لا علاقة لها بهذا الهجوم”.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “سيكون من الخطأ في هذا الوقت محاولة تفسير الأحداث في سوريا بأي تدخل أجنبي”، ودعا الحكومة السورية إلى “التصالح مع شعبها والمعارضة الشرعية”.