د.ناجي يوسف
لعله من المهم – في مطلع مقالي هذا – أن أوضح للقارئ العزيز، سواء أكان مسيحيًا أم مسلمًا، أوضح عدة نقاط، أؤمن بها من كل عقلي وقلبي ولذا فأنا لا أخفيها أو أساوم عليها أو أخجل أو أخاف من كتابتها وإعلانها، وهذه الأمور هي:
١- إنني أحب المسلمين من كل قلبي وأصلي لأجلهم باستمرار أن يفتح الله عيونهم، كما فتح عيني لأرى من هو المسيح الحقيقي وما هي عظمة تفرده بكل صفاته وتعاليمه وحياته التي لا يمكن مقارنتها بأي إنسان آخر، كان أو كائن أو سيكون على الأرض، هذا المسيح وليس من كنت أظنه أنا وفقًا لتخيلاتي وقناعاتي الإنسانية القاصرة أنه المسيح – تبارك اسمه – والذي عادة ما يقدمه لهم، أي للمسلمين، الغالبية العظمى من المسيحيين في صورته غير الحقيقية المشوهة، الناقصة، الضعيفة أو المشَوَشَةْ لبعض، أو لكل أركان طبيعته وشخصيته وحقيقته في أذهانهم كمسيحيين. فكم بالحري يمكن أن تكون درجة نقصانها وتشويشها وتشويهها في أذهان غيرهم من المسلمين المحيطين بهم.
٢- إن محبتي للمسلمين وصلاتي لأجلهم وإيماني أن المسيح يسوع – تبارك اسمه – مات ودفن وقام من الأموات في اليوم الثالث لأجل فدائهم وخلاص نفوسهم وإدخالهم الى نعيمه الأبدي، تمامًا، كما فعل سبحانه لأجل كل البشر من كل قبيلة وشعب وأمة ولسان، تحتم على، وهى الدافع الوحيد لكتابة ما يلي في مقالي هذا، فدافعي الوحيد هي محبتي لهم، ليس النقد أو المقارنة أو الاستهانة أو التقليل من تعاليم ووصايا وفرائض الإسلام، فلست بمسلم ولا اهتمام عندي بالإسلام وتعاليمه أو إظهار تفوق المسيحية على الإسلام في شيء، حيث أنني أؤمن أنه ليس هناك وجه شبه أو مقارنة يمكن أن يكون عادلاً بين الاثنين.
٣- إن ما أكتبه في هذا المقال أكتبه للمسيحيين في المقام الأول وليس للمسلمين ولأكشف للمسيحيين سواء المُخْلصِين المُخَلَّصين منهم بعمل صليب المسيح يسوع – تبارك اسمه – أو المسيحيين الاسميين الذين لا يعرفون عن المسيحية وتعاليمها وعن المسيح وحقيقته سوى صورة الأشياء وظلالها والأشخاص الذين يؤمنون بها. وهؤلاء تجدهم في كل دين وملة وقبيلة وشعب وأمة ولسان.
٤- إن العدو الشرير، الشيطان، يجيد استغلال واستخدام كل المناسبات الدينية، لأي دين كان، ليبعد الناس عن الالتفات واللجوء إلى الإله الحقيقي وحده، ويلهيهم بما يقنعهم بأنها ممارسات دينية روحية تقربهم له سبحانه، ففي عشوراء يقنع المسلمين الشيعة باللطمية، وتقطيع ظهورهم إلى أن تسيل دماؤهم لِتَمَزُق ظهورهم وصدورهم، من جراء ضربها بالسلاسل والجنازير الحديدية لطمًا على غياب الحسين، وعند أهل السنة يجعلهم يذبحون الأضاحي عن نفوسهم وذويهم بعد أن يطوفوا حول حجر أسود كان موجودًا قبل قيام الإسلام، ويلقون الحجارة الملموسة والمحسوسة على الشيطان الرجيم وهو الروح غير المنظور أو الملموس، فيصيب بعضهم البعض الآخر بالأذى بالرغم من كتابة ونصح عقلائهم، أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم وأنيس منصور لهم بأن الشيطان غير موجود هناك ولا ولن تطوله أو تؤذيه أو توقف أعماله الشريرة حجارتكم التي تلقونها عليه. ويذهب غيرهم للتبرك بالموتى بمن يسمونهم بأولياء الله الصالحين في قبورهم وأضرحتهم، وهكذا يفعل أيضًا بعض المسيحيين المغيبين المخدوعين غير الكتابيين، أي غير المطبقين لكلمات الله ووصاياه الواضحة في الكتاب المقدس من النهي عن زيارة الأضرحة أو التبرك بالبشر أو طلب شفاعة الأموات أو حتى الأحياء، لأن هناك، وفقًا للكلمة النبوية الإلهية التي هي أثبت، يوجد شفيع واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان “يسوع المسيح”، تبارك اسمه. وعند اليهود يجمدهم العدو الشرير في أماكنهم يوم السبت ويحلل ويحرم عليهم عمل أشياء لم تطلب منهم في التوراة ليحفظوها ويطبقوها بكل ما أوتوا من قوة، فلا يطفئون حتى لمبات بيوتهم المضاءة ليلة السبت وإلا اعتبروا أنفسهم قد كسروا وصية المولى “اذكر يوم السبت لتقدسه، عملاً ما لا تعمل”، هذا بالرغم من أن السيد المسيح – تبارك اسمه – علمهم عندما كان يعيش بالجسد بينهم أن السبت خلق لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت، لذا فيحل لهم عمل الخير وشفاء المريض ورفع حمارهم إذا وقع في حفرة وغيرها من التعاليم الواضحة، ومع ذلك فهم للآن لا يسمعون ولا يفقهون. وفي بعض قرى المسيحيين في البلاد العربية، وبالرغم من عدم موافقة الكنيسة الرسمية على القيام بمثل هذه التصرفات التي يمارسها شباب القرى في ليلة خميس العهد يقومون بعمل تقليد ما يعرف “بالبحث عن يهوذا الخائن”، فيخرج الشباب المتهور في شوارع قريتهم للبحث عن يهوذا، ويمرون أمام بيوت القرية، فإذا وجدوا أهل هذه البيوت حاضرين خارج البيوت لإخبارهم أن يهوذا ليس مختبئًا لديهم في بيتهم، وشعر الغوغاء الباحثون عن يهوذا بقوة أصحاب البيت للرد على عنفهم والاعتداء عليهم بالمثل إن هم اعتدوا عليهم وعلى بيوتهم، انصرفوا وذهبوا للبحث عن يهوذا في بيت آخر، أما إذا لم يجدوا من يدافع عن هذا البيت ويخبرهم أن يهوذا ليس مختبئًا فيه، عندها يبدأ الغوغاء بقذف البيت بالحجارة والاعتداء على ما فيه ومن فيه، وفي بعض البلاد المسيحية الأخرى يحتفلون بذكرى الصليب بأن يختاروا أحدهم ليمثل المسيح في حادثة الصلب، فيضعون صليبًا ثقيلاً على كتفه ويجوبون به شوارع قريتهم ويضربونه ويلطمونه، ثم يعلقونه على الصليب، وقد أدى ذلك في مرات كثيرة إلى فقدان المصلوب لحياته وهو راض ومسرور لأنه يتخيل بأنه يتحمل آلام المسيح حتى الموت، وينسيهم الشيطان أن المسيح صلب مرة واحدة وقام من الأموات منتصرًا ناقضًا أوجاع الموت وأن إكرامه والاحتفال بعيد صلبه لا يجب أن يكون بصلب آخر تشبهًا به ولا حتى بالحزن والبكاء وشرب الخل تعاطفًا مع المسيح المصلوب، أو لبس الأسود وتغطية جدران الكنائس بالستائر السوداء حزنًا على المسيح المدفون بالقبر ليلة الجمعة، إلى أن يدخل مطرانهم إلى القبر في ليلة يوم القيامة بشموع، فتشتعل بالنار تأكيدًا لهم في أذهانهم ليس إلا على قيامة المسيح، فيخرج حامل الشموع خارج القبر، فيتصارع الناس على إشعال شموعهم من شموعه التي يجزم هو أنها اشتعلت من نار خرجت من القبر، فيدوس بعضهم البعض، يحدث كل هذا بالرغم من أن الحقيقة المؤكدة من الكلمة النبوية التي هي أثبت هي أنه ليس بكل هذا يرضى المسيح عن الخلق، بل بتسليمه القلب والكيان كله ليملك عليه ويصبح هو الملك الوحيد على الحياة، وعندها من تعب نفسه يرى المسيح ويشبع، ويقيم الإنسان الميت بالذنوب والخطايا من قبر خطاياه ويجلسه معه في السماويات.
إن ما أكتبه في هذا المقال هو محاولة بسيطة مخلصة جادة لتوضيح المفهوم المسيحي الكتابي الصحيح، بحسب ما أراه أنا وما أعلم أن هذا هو ما يؤمن به الغالبية العظمى من المسيحيين الحقيقيين الذين يتبعون المسيح يسوع – تبارك اسمه – تبعية حقيقية أساسها مبني على صخر الكلمة النبوية التي هي أثبت وحدها ولا شيء بجانبها، لا أقوال آباء ولا تاريخ كنيسة ولا كتابات قديسين وغيرها، لكن فقط وفقًا لما هو مدون وصريح في أكثر من سفر بالكتاب المقدس.
وفي رأيي الخاص إن عدو النفوس الشرير يستغل شهر رمضان بالذات ليكثف التشويش العالي جدًا والمواجهة والمصارعة مع كنيسة العلي تبارك اسمه، ليس على أرضنا التي نعيش عليها فحسب، بل وفي السماويات أيضًا، الأمر الذي نص عليه كتابنا المقدس صراحة في الآيات البينات “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات”. يتصارع العدو في رمضان بالذات مع الكنيسة من خلال العديد من الأرواح الشريرة التابعة للشرير الأكبر، إبليس الحية القديمة، كروح التدين وروح الخوف وروح الغي وروح الفشل وعلى رأس الكل روح ضد المسيح، هذه الأرواح المنصوص عليها والمذكور أسماؤها وأعمالها بكل وضوح في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس.
أما عناصر خطة الشيطان لكنيسة الرحمن في رمضان فهي تتلخص على سبيل المثال لا الحصر في:
أولاً: التشويش العالي جدًا الذي يسببه روح ضد المسيح، وروح الغي، التي مزجها الرب في وسط أرض مصر، بل قل تركها الله سبحانه لتمتزج بأرض مصر نتيجة لغطرسة المصريين وكبريائهم ووقوفهم الشيطاني ضد كل ما هو إلهى لفائدة شعبه في القديم والحديث وضد إطلاقهم لشعبه تعالى في الحرية ليعبدوه، كما يريد هو سبحانه منهم، وإصرار قادة المصريين وفراعنتهم على أنهم حكماء أبناء حكماء غير عالمين أن حكمتهم هي حكمة أرضية جسدية نفسانية شيطانية، لذا فهي في شرع المولى – تبارك اسمه – الجهالة بعينها. واستخدمهما الخصم في تشويش أذهان أعضاء جسد المسيح، أي الكنيسة، شعبها وقادتها وأعضائها والمترددين عليها، لاعتماد وتعميم وتقديم المنطق البشري والسلوكيات الاجتماعية والقناعات الشخصية والطائفية على الوصايا الكتابية. كمثال عملي على ذلك، ما دونه العلي في التعليم الكتابي الواضح والصريح، وهو ما جاء في رسالة يوحنا الثانية والأصحاح الأول “لأنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتيًا في الجسد. هذا هو المضل، والضد للمسيح. انظروا إلى أنفسكم لئلا نضيع ما عملناه، بل ننال أجرًا تامًا. كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله. ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعًا. إن كان أحد يأتيكم، ولا يجيء بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة”. فهل كان من الممكن أن يكون هناك ما هو أوضح من كلمات الروح القدس في هذا النص، الذي يحدد فيه:
أ- إن مضلين كثيرين قد دخلوا إلى العالم منذ أيام وجود يوحنا كاتب هذه الكلمات على الأرض، فكم بالحري يكون الحال اليوم بعد ألفي عام تقريبًا؟!
ب ـ حدد الرسول هنا أن المضل هو نفسه الضد للمسيح، وهو من لا يعترف أن المسيح آتيًا في الجسد، أي هو وأمثاله هم من لا يؤمنون أن يسوع المسيح هو الله الذي أتى في الجسد، وبطريقة أخرى أن المسيح يسوع ما كان له وجود أزلي وما كان موجود قبل أن يتجسد، مع أن الحقيقة المؤكدة من خلال كل أسفار العهدين القديم والجديد أنه – تبارك اسمه – كان موجودًا قبل كل الدهور ولكنه اتخذ جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا.
ج ـ حدد الرسول أيضًا بكلمات واضحة، من هو الذي له الله، ومن ليس له الله، وأن من له الله هو من يعرف الله (معرفة اختبارية شخصية) وهو الذي يثبت في تعاليم المسيح فهذا له الآب والابن (أي يسوع المسيح)، كما جاء بالآية الكريمة “كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله. ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعًا”.
وواضح إن المقصود بتعاليم المسيح هنا يمكن تلخيصها في تجسده، وحياته على الأرض في جسد إنسان، مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية، ثم صلبه وموته وقيامته حيًا منتصرًا من بين الأموات وصعوده إلى السماوات وجلوسه – تبارك اسمه – عن يمين الله في عرشه.
د- أوضح الكتاب المقدس في النص السابق طريقة التعامل مع من لا يؤمن بتعاليم المسيح، وليس فقط من لا يؤمن بها، بل من يدعى أنه يؤمن بها لكنه لا يثبت في تعاليم المسيح، أي أن الأمر ليس مجرد ترديد كلام من فم شخص، أو جماعة أو أصحاب دين ما يقولون فيه إننا نؤمن بسيدنا عيسى، ونؤمن بإرساليته وميلاده من عذراء وأنه رسول من الله ورسولاً إلى بني إسرائيل وأنه سبحانه قال: “إني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين”، هذه ليست الفئة التي يتكلم عنها الكتاب بأنهم من يثبتون في تعاليم المسيح وبالتالي أنهم الذين يعرفون الله وبالتالي لهم الله الآب مالك السموات والأرض والله والابن، خالق السموات والأرض، المسيح يسوع، تبارك اسمه، أما من عداهم فهم الضالون، المضلون، والأضداد للمسيح أي الذين لا يعترفون بأنه سبحانه سر التقوى الله الذي جاء في جسد إنسان.
ليس ذلك فقط، بل دوَّن الروح القدس، في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، طريقة التعامل، مع هؤلاء الضالين والمُضِلّين والأضداد للمسيح ولكنيسة المسيح والمسيطر عليهم من روح ضد المسيح، إذا جاءوا إلينا بتعاليمهم لكي نقبلها ونؤمن بها، فلا ينبغي لنا أن نقبلهم في بيوتنا أو حتى مجرد أن نسلم عليهم، أعلم أنها حقيقة صعبة على الذهن البشري قبولها وتصديقها والتعامل بها، وأنها حقيقة في ذهن البعض تمثل عدم قبول الآخر أو التمييز الديني بين فئة وفئة، إلا أنها الحقيقة الإلهية التي لابد من قبولها وتصديقها والتعامل بها والسبب ببساطة هو لأننا في الحقيقة إذا سلمنا عليهم أو قبلناهم في بيوتنا، الله العليم بكل شيء، الحكيم حكمة متناهية، المحب لكل خلائقه قال وسيرى ذلك على أنه بمثابة قبولنا لتعاليمهم وأرواحهم المضلة والتى هي أرواح ضد المسيح، وبالتالي نكون قد اشتركنا في أعمالهم الشريرة (وفقًا للوحي والتعبير الكتابي، “لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة”) والتي من أهمها عدم الاعتراف بأن المسيح يسوع – تبارك اسمه – هو الله الظاهر في الجسد وبأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وكتحصيل حاصل بأنه سبحانه لم يقم من الأموات وبالتالي تكون باطلة كرازتنا وباطل إيماننا، حيث لا قيامة من الأموات إلى آخره من التداعيات والنتائج المترتبة على سلامنا عليهم أو قبولنا لهم في بيوتنا. الأمر الذي عملت الكنيسة ما هو عكسه تمامًا، فلم تقبلهم فقط في بيوتها الخاصة، بل قبلتهم في بيوت الله نفسه متحدية بذلك كلماته سبحانه وتعاليمه ووصاياه الواضحة الصريحة لهم، ففتحت لهم دورات مياهها ليتوضؤوا فيها، وسمحت لهم باعتلاء منابرها للصلاة عليها، واحتفلت معهم في أمسيات رمضانية، وقدمت لهم طعام الفطور والسحور، ووزعت عليهم الهدايا والحلاوين للاحتفال بأعيادهم ومنهم من صام معهم صياماتهم. الكل يحدث باسم إظهار المحبة والتعايش ومد الجسور مع أنهم أصبحوا هم كمسلمين أكثر وضوحًا وإخلاصًا وصدقًا وأقل تشويشًا في معاملتهم لنا نحن المسيحيين المغيبين وبالرغم من أنهم يؤمنون ويقرون بالقول القرآني لهم: “ولن تَرضى عنك الْيهود ولا النصارى حتَى تَتبِع ملتَهم قل إن هدى الله هو الْهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من الْعلم ما لك من الله من ولي ولا نصير”.
وكنتيجة طبيعية لحالة التشويش العالي جدًا الذي تقع فيه الكنيسة في رمضان تصبح غير مميزة لخطة الشيطان لها ككنيسة الرحمن.
ويظهر التشويش العالي وعدم التمييز لرمضان، وخطة الشيطان، لكنيسة الرحمن، على سبيل المثال لا الحصر في:
1- الخداع النفسي وروحنة الأمور من المُخْلصِين الجادين المُحبْين المؤمنين الحقيقيين من المسيحيين، القادة والمرنمين والقسوس والكهنة والمسؤولين عن الكنيسة بدأً من الكلام عن حبنا للمسلمين وانشغالنا بخلاص نفوسهم، وتوصيل الحق الكتابي المسيحي لهم، والصلاة لأجلهم، ليس لخلاص نفوسهم فحسب، بل ولكي يعطيهم الله التحمل والصبر ويعينهم على صيامهم وخاصة إذا جاء رمضان في الصيف، كما عبَّرت عن ذلك إحدى الأخوات المسيحيات على منبر ثاني أكبر كنيسة إنجيلية مشيخية في مصر أو كما عبَّرت أخرى وهي مدير قطاع الإغاثة بالكنيسة من كانت سكرتيرة القسيس الأشهر في أكبر الكنائس الإنجيلية المشيخية في مصر عن تمنياتها للصائمين في رمضان بالقول: “رمضان مبارك وصوم مقبول لكل إخوتنا المسلمين في مصر”، بل والأكثر صراحة من الأختين هو القسيس الذي اقترح على المسيحيين وطالبهم بصوم شهر رمضان معهم. ونتيجة لحالة التشويش العالي جدًا تصبح إقامة موائد الرحمن لهم وعقد السهرات الرمضانية في الكنائس الإنجيلية وحفلات الإنشاء الديني الرمضانية والتي يعقبها وجبة السحور شيئًا طبيعيًا عاديًا على كل مسيحي قبوله والاعتراف بوجوبيته وإلا اُتهم بالتعصب والكبرياء وعدم المحبة لإخوتهم المسلمين.
2 ـ أمر آخر يظهر مدى التشويش التي تمر به الكنيسة اليوم هو التملق والمداهنة وإظهار عكس ما نبطن تجاه المسلمين، من المسيحيين غير المخلصين أو المغرضين أو المغيبين الذين منهم وبسبب الانغماس والصداقة والشراكة مع المسلمين والروح العامل فيهم لمدد طويلة وصلوا لنقطة اللارجعة من أقصى درجات التشويش الذهني والروحي والمجتمعي وفي علاقاتهم ومعاشراتهم وروحياتهم معهم.
والغريب إن الكثير من أولئك الذين يتملقون أو يصادقون ويتقربون إلى المسلمين بنفوس راضية مخدرة وقلوب وعقول مغرضة غير صادقة يتباعدون عن التعامل مع إخوتهم المسيحيين ويتهمونهم بالجهل والغباء وبأنهم أعداء النجاح وأنهم عديمو العلم والدراسة والفهم لآيات الكتاب المقدس، فيتطاولون عليهم في برامج تليفزيونية يدعون أنها برامج مسيحية على قنوات ليبرالية مضللة للمسيحيين والمسلمين معًا ويتوعدونهم بأنهم سيأخذون الكتاب المقدس من بين أيديهم وسيعلمونهم كيف يقرأون ويفهمون الكتاب لأنه في ذهنهم المشوش يظنون أنهم أساتذة ومعلمون وفلاسفة وأصحاب نظريات لاهوتية جديدة وتفاسير ومعرفة كتابية عميقة جدًا لم يتوصل لها بقية المؤمنين بعد، لأنها تفوق إدراك عقول بقية القسوس والقادة وأساتذة اللاهوت؛ ولذا فهم يتخيلون أن الضرورة موضوعة عليهم بأن يبدأوا مدارس لاهوتية شبه سرية لتعليم الشباب أفكارهم الفاسدة والتى أقل ما يقال عنها إنها أفكار مشوشة شريرة تحتاج لمن يقف ضدها بالروح القدس بكل حزم وقوة، والعجيب أن منهم أيضًا من يرفضون التعامل مع من يختلفون معهم في الملة أو العقيدة من المسيحيين ويصرحون أنه محروم من يذهب إلى كنيسة للإنجيليين، لا حل ولا بركة، لأن كنيستنا غير كنيستهم، ومسيحهم غير مسيحنا، ومن قال لمقدم برامج تليفزيونية غير مسيحي أن الإنجيليين كلهم سيذهبون إلى جهنم، ومنهم وفي حفل عام في قريته حول إفطار رمضاني من صور الإسلام بأنه جاء لينير الطريق أمام الناس بسبب تواجدهم في العصور المظلمة وأنه أنزل رحمة للعالمين، ولقناعته أنه يكذب في كل ما قاله أصر أن يكرر أكثر من مرة في حديثه أنه يقول الصدق ولا يكذب، بالرغم من أنه لم يتهمه أحد بأنه يكذب، والمؤكد هو أنه إن كان هذا الكاهن حقًا لا يكذب، فلابد له أن يكون مغيبًا، أو ينطق عن الهوى، أو أنه تحت تأثير شيطاني عالي المستوى، لأنه من هم الذين كانوا يتحكمون دينيًا في البلاد المعروفة والتي يطلق عليها اليوم البلاد العربية وعلى رأسها مصر يوم انتشار الإسلام، أليسوا هم الأقباط الأرثوذكس في مصر؟، فهل كانت الأرثوذكسية المصرية والأقباط في مصر هم الذين أدخلوا البلاد في عصور الجهل والظلام حتى اضطر القدير، الذي نستغفره ونتوب إليه، أن يرسل لنا الإسلام ليخرجنا من ظلمات الجهل الذي كنا فيه في مصر؟، وإن كانت هذه الحقيقة، وحيث أن مثل هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، إذًا فلابد من محاكمة الكنيسة اليوم ولابد من اعترافها لنا ولله أنه بسبب تقاعسها عن الصلاة وطلب وجه الله قد أوصلت الأقباط في مصر لحالة الجهل والظلام في العصور الوسطى، ولابد للكنيسة من الاعتراف والإقرار والتوبة عن سماحهم للإسلام والمسلمين بدخول مصر آمنين، فحصدنا ولازلنا وسنظل نحصد نتيجة خطأ الكنيسة والمسؤولين عنها يومئذ. وإنني لأتعجب وأتساءل ما الذي جاء به الإسلام من جديد، من مبادئ وتعاليم ووصايا وسلوكيات تساعد الناس على الأمر بالمعروف والنهي على المنكر ولم يكن موجودًا قبلاً في المسيحية وتعاليم المسيح، ألم تكن الوصية تحب قريبك وتبغض عدوك وعين بعين وسن بسن موجودة قبل مجيء شريعة المسيح الذي قال: “أحبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم”. ألم يرجعنا الإسلام مرة أخرى إلى عين بعين وسن بسن والبادئ أظلم؟، وهكذا الحال مع مئات الوصايا والتعاليم، أليس من الواضح إنه عندما طالب الإسلام الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالسلوك القويم لم يعطهم الإمكانية لتنفيذ ما طلبه منهم، وتوعدهم بجهنم النار إذا لم يستطيعوا أن ينفذوا طلباته سبحانه، أما المسيح يسوع – تبارك اسمه – فقد طالب الناس بمستوى من الأخلاق والتصرفات والمحبة بعضهم لبعض لا ليقوموا بتنفيذها بقدراتهم الشخصية، حيث إن لا إنسان على وجه الأرض منذ أن خلق آدم وحواء أمكنه تنفيذها، لكنه سبحانه أنقذ الناس من سلطان الظلمة ونقلهم إلى ملكوت المسيح يسوع ابن محبته وأرسل لهم روحه القدوس – تبارك اسمه – ليحيا ويعمل فيهم كل ما لا يستطيعون عمله بقدراتهم الشخصية الإنسانية.
ثانيًا: واحدة من عناصر خطة الشيطان في رمضان لكنيسة الرحمن هو إحداث انقسام بين المؤمنين الحقيقيين داخل البيت الواحد أو الكنيسة الواحدة واتهام كل منهم الآخر أنه من أعداء النجاح. فالبيت الواحد يصبح منقسمًا على ذاته حول ما هو الصحيح كتابيًا الذي يجب أن يؤمن ويقوم بما يعمله المسيحيون في رمضان، وما هو غير الصحيح ليتجنبوه، هل يصومون مع إخوانهم شهر رمضان أم لا؟، هل يدعون أصدقاءهم على طعام الفطور أو السحور في بيوتهم أم لا؟، هل يقبلون دعوات أصدقائهم المسلمين بالذهاب إليهم وتناول طعام الإفطار معهم أم لا؟، هل يتبرعون لكنيستهم لعمل موائد الرحمن أم لا؟، هل يكتبون تهنئة للمسلمين في العيد أم لا؟، هل يتبرعون لأطفال المسلمين غير القادرين لشراء هدايا ولبس العيد أم لا؟، هل يسمحون للمسلمين الذين يحضرون عشاءهم سواء في الكنيسة ومبانيها أم في بيوتهم بأن يفردوا سجاداتهم ويصلون ويتلون الآيات التي تتهم المسيحيين بأنهم الضالون وأنهم ما قتلوا وما صلبوا مسيحهم أم لا؟، هل هناك أرواح شريرة يمكن أن تسكن بيوتهم نتيجة لمثل هذه الصلوات فيها أم لا؟، هل إذا قبلوا أحباءهم المسلمين في بيوتهم يكونون قد اشتركوا في أعمالهم الشريرة كما قال الكتاب أم لا؟ من يصدقون من القادة والقسوس، هل يصدقون أولئك الذين يؤكدون على ضرورة عمل كل ما هو علاقاتي مع المسلمين إظهارًا لمحبة المسيح كما يعرفها هؤلاء القادة مستخدمين الآيات الكتابية، “إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه” أو “فصرت لليهودي يهودي لأربح اليهود” أم يطيعون من يقولون إن كل ما يتعلق برمضان من صوم وإفطار وغيره إنما هو محرم على المسيحيين الاشتراك فيه بأي شكل من الأشكال ويستخدمون الآيات “لأنه أي خلطة للبر والإثم، وأي شركة للنور مع الظلمة وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان، لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم” و”ما للتبن مع الحنطة يقول الرب”؟، وهكذا تخرج إلى السطح عشرات الأسئلة التي لا إجابة واضحة صريحة لها في أذهان البعض، فينقسم أفراد العائلة الواحدة على أنفسهم وأقربائهم وتتولد في النفوس الحيرة وخيبة الأمل أو التصلف والعناد والمضي قدمًا في تنفيذ كل لخطته مؤكدًا سلامة قناعاته وقراراته مستشهدًا برأي قسيس أو قائد سواء أكان مع أو ضد هذه الممارسات.
ثالثًا: عنصر آخر من عناصر خطة الشيطان في رمضان لكنيسة الرحمن هو خداع بعض المُخِلصين من رعاة الكنائس وقسوسها وإقناعهم أنه إذا عملوا حفل إنشاد ديني في كنائسهم في رمضان للمسلمين يحييها منشد ديني صوفي مسيحي، ومنشد صوفي إسلامي، وبعدها قدموا طعام السحور للحاضرين، فسيحضر العشرات من المسلمين وسيأتون إلى الكنيسة وسيسمعون رسالة المسيح لأول مرة في حياتهم، كما أنهم سيعلمون أن هذا القسيس أو ذاك شخص غير متعصب دينيًا، فسيسالمونه ولن يقفوا ضده وضد كنيسته في أية مناسبة غير متوقعة. ولعل هذا ما جعل أحد قساوسة إحدى الكنائس يكتب لي رسالة يلومني فيها ويتهمني بالتعصب وعدم تشجيع القسوس والخدام المصريين على الخدمة، فقال لي: “آه لو تعرف كم من المسلمين جاءوا إلى كنيستنا في حفل السحور الذي عملناه في الكنيسة، وكم عدد المسلمين الذين سمعوا رسالة المسيح لأول مرة!!”، كانت إجابتي على الزميل العزيز، لا تقل لي كم من المسلمين جاءوا لكنيستك، بل أخبرني كم من المسلمين قبلوا المسيح مخلصًا شخصيًا لحياتهم، ثم كم من المسلمين ازدادوا إيمانًا بأن صيامهم وإفطارهم وسحورهم يقربهم من الله وأن المسيحيين أيضاً يساعدونهم على الصوم والسحور والإفطار، وكم منهم ازدادوا اقتناعًا أن المسيحيين يتملقونهم بمثل هذه الحفلات أو يخدعونهم بها ويظهرون غير ما يبطنون. واليوم وبعد أن ازداد عدد الفضائيات المسيحية المحترمة المكلفة من الله للوصول إلى العالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها والتي تقدم للمسلمين كل ما يحتاجون معرفته إن هم أرادوا أن يعرفوا الحق كما يؤمن به المسيحيون، لم يعد هناك احتياج لحفلات رمضانية ولابد من فهم أن “ليس أحد يأتي إلى المسيح إن لم يجتذبه الله الآب وأن المسيح أيضًا، أعطاه الآب اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”.
ولابد من فهم حقيقة “رمضان وخطة الشيطان لكنيسة الرحمن!!”.
اللهم أنر بصائر عبيدك القادة والقسوس على حقيقة الحرب الروحية في السماويات، اللهم افتح عيوننا وأيقظنا لعمل روحك القدوس في كنائسنا والاجتماعات، اللهم أنقذنا من الخطط الشيطانية المعدة لنا في الحياة. اللهم أعطنا تمييزًا روحيًا وفطنة وفهمًا وذكاء. آمين يا رب العالمين.