الكتاب المقدس

الاعتراضات الحديثة على معجزات العهد الجديد

هاورد مارشال

تحتوي الأناجيل على قصص عن نحو 35 مناسبة مختلفة قام فيها يسوع بأعمال مختلفة بدت للذين عاينوها معجزات. وفضلًا

عن ذلك، جاء في عدة مقاطع أخرى أن يسوع قام بصنع المعجزات لكن دون تفاصيل.

في أكثر من نصف هذه القصص، شفى يسوع المرضی من علل مختلفة، مثل الحمى والبرص (ربما يختلف عن البرص الذي نعرفه اليوم)، والاستسقاء والشلل والعمى والصمم والخرس.

وفي بعض الحالات، طرد يسوع الأرواح الشريرة من أشخاص، حيث كانت قد تسببت لهم باضطرابات جسدية وعقلية . وثلاث مرات، أقام أناسًا من بين الأموات .

أما القصص الباقية فتظهر سلطانه على المادة – كإشباع جمع كبير بالقليل من الطعام، والمشي على الماء، وتهدئة العاصفة، ولعن التينة التي لم تلبث أن يبست، وتحويل الماء إلى خمر، وصيد كميات هائلة من السمك .

الاعتراضات الحديثة على المعجزات

تُظهِر هذه القصص جميعها الأثر العميق الذي ترکه عمل يسوع في الذين عاينوه. وحتى لو افترضنا أن القصص أسطورية (مع أنها ليست كذلك)، يبقى السؤال المطروح: ما الذي جعل الناس يخبرون عنه كل هذه القصص؟ على أية حال، من المؤكد أنه لا يمكننا أن نفصل يسوع عن معجزاته، فهي جزء أساسي مكمل لقصة حياته. لماذا إذن يرفض البعض هذه المعجزات؟

السبب الأول برأيهم أن العلم يلغي إمكانية حصول المعجزة. وهذه الحجة في الواقع هي مجرد افتراض مبني على المبدأ القائل بأنه في عالم مادي بحت لا يمكن أن يحدث شيء من دون أن يُنسب إلى عوامل طبيعية، لكن يبقى كل هذا مجرد افتراض حول طبيعة الكون لا يمكن إثبات صحته. وأكثر ما يمكن استنتاجه من هذه النظرية هو أن المعجزات لا تحدث عادةً، ولكن هذا لا يعطينا حق الادعاء بأن المعجزات لا يمكن أن تحصل إطلاقًا، فعلينا أن نكون أكثر انفتاحًا في هذا المجال .

أما السبب الثاني فهو أنهم يقولون إنه لا يوجد أي دليل تاريخي موثوق به لحدوث المعجزات. فلا بد من دليل قوي على حصول المعجزة وانتفاء أي تعليل آخر لها. ويضيفون: بما أننا نبحث في أمر غير اعتيادي ، فيجب أن يكون الدليل قاطعًا لا يقبل الشك. هؤلاء يزعمون أن شهود العيان فهموا ما حدث فهمًا خاطئًا وأن ما حدث لم يكن معجزات جرت بالفعل.

القيامة

إذا تمكنا من إثبات حدوث معجزة واحدة تاريخيًا، فهذا يكفي لكي نبرهن على وجود المعجزات وعلى إمكانية تكرارها. وبالنسبة لمعجزة القيامة، فإن ثمة شهادات لا يمكن دحضها لأشخاص شاهدوا يسوع حيًا بعد موته (1 كورنثوس 15: 3-8).

والتفسير المنطقي الوحيد لشهادتهم هو أن يسوع قد قام من بين الأموات بصورة معجزية. ومَن لا يقبل هذا الرأي فليقدم تفسيرًا آخر يكون مقنعًا.

والتسليم بحقيقة القيامة يعني التسليم بحصول المعجزات الأخرى. أولًا، لأنها تثبت إطلاقية حصول المعجزات وهذا يعني قدرة الله علی في النظام الطبيعي بصورة خارقة. وثانيًا، القيامة تعني أيضًا تأييد الله لما قام به يسوع في حياته ومنه ادعاؤه بصنع المعجزات (لوقا 7: 21 الخ؛ 11: 19).

إن قيام يسوع بإجراء المعجزات أمر تدعمه الحقائق التاريخية الموثوق بها والواردة في الأناجيل. من المؤكد إننا لا نقدر أن نبرهن حقيقة كل معجزة من الناحية التاريخية البحتة. في بعض الحالات، ما بدا أنه معجزة بالنسبة إلى الناس في القرن الأول يمكن تفسيره اليوم بصورة طبيعية (مثل الشفاء النفساني من مرض نفسي وجسدي في آن واحد). وفي حالات أخرى، قد لا توجد أدلة كافية لإثبات أو إنكار قصة المعجزة المذكورة في الإنجيل. ولكن بشكل عام، فإن قبول كل معجزة لا يستند دائمًا على براهين علمية بل ينبع من إيمان شخصي بقدرة الله.

القصد من المعجزات

ومن بين النقاط الهامة المثارة ضد تاريخية معجزات العهد الجديد وجود قصص عن رجال عظام في تلك الحقبة، مشابهة لقصص العهد الجديد. ويزعم أصحاب هذا الرأي أن المسيحيين آنذاك، والذين كانوا يؤمنون بخرافات عصرهم، ابتدعوا قصصًا مماثلة ونسبوها إلى يسوع.

ويمكن الرد على هذا الزعم بالقول بأنه كان من الضروري أن يصنع يسوع معجزات ليبدو “الأعظم” – حسب مفهوم الناس في القرن الأول – فيقبل الناس رسالته. والأهم من ذلك هو أن معجزات يسوع تختلف عن المعجزات المنسوبة إلى غيره، فأهميتها لا تكمن في القوة الخارقة التي تظهر من خلالها، بل في المغزى المرتبط بها.

– كانت المعجزات تحدث عامةً بكلمة (مرقس 1: 27، 2: 11) أو بلمسة (مرقس 5: 41) منه وليس عن طريق ممارسات سحرية.

– كانت تهدف إلى تمجيد الله وليس إلى تمجيده هو (لوقا 7: 16).

– كانت تشهد عن محبة الله للمتألمين من البشر (مرقس 1: 41؛ 8: 2).

– تممت وعود العهد القديم عن مجيء الوقت الذي فيه سيشفي الله أجساد الناس ونفوسهم (لوقا 7: 22؛ إشعياء 29: 18-19).

– كانت تتم بهدف قيادة الناس إلى الإيمان بقوة الله المخلِّصة العاملة في يسوع (مرقس 9: 33 الخ). والمعجزات ليست دليلًا على قوة الله يتعذر رفضه، فالفريسيون لم يترددوا في أن ينسبوها إلى قوة الشيطان (مرقس 3: 22). أما أصحاب البصيرة، فقد رأوا فيها الدليل على عمل الله من خلال يسوع على إتمام وعوده، فهي تهدف إلى تحريك الإيمان بشخصه وتقوية هذا الإيمان.

– كل هذا ينطبق على معجزات يسوع، كما ينطبق أيضًا على معجزات الكنيسة الأولى. وقد صنع المسيحيون الأوائل آیات شبيهة بتلك التي صنعها يسوع مثل شفاء المرضى وإقامة الموتى وإطلاق المساجين بطريقة معجزية، وصولًا إلى القدرة على إنزال عقوبات جسدية. وهذه دلائل على أن القوة ذاتها التي كانت تعمل في يسوع ظلت تعمل في تلاميذه، مؤيدة لرسالتهم الخلاصية، ومنذرة بحقيقة دينونة الله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى