هذه المجموعة التي نصَّبت نفسها بنفسها والمؤلفة من أكثر من سبعين دارسًا أقدمت، بواسطة افتراضاتها واستنتاجاتها الخاطئة، على الإدلاء بمزاعم غريبة تتعلق بالعهد الجديد، مشككين في ما يقارب 82% من التعاليم التي ينسبها العهد الجديد إلى يسوع، ضاربين بها عرض الحائط. وتمادى جون دومينيك كروسان John Dominic Crossan، وهو من أحد المؤسسين لهذه المجموعة، في نكرانه لحادثة قيامة المسيح، حيث ادعى بأن يسوع تم دفنه في قبر قريب من سطح الأرض، نبشته الكلاب ثم أكلت الجثمان. إن إدعاءات هذه المجموعة غير مدعومة بالدلائل لأسباب عدة.
أولاً: لديهم دافع مغلوط
إن هدف هذه الجماعة، باعترافهم الشخصي، هو أن يكوِّنوا يسوعًا جديدًا “من نسج الخيال”، وهو ما يتضمن تفكيك الصورة القديمة ليسوع والممثلة في الأناجيل، وتركيب صورة جديدة ملائمة للإنسان العصري. وفي ضوء هذا، على كل راغب في البحث عن يسوع الحقيقي ألا ينظر إلى أعمالهم. إن عملهم ملطخ بسعيهم للشهرة وهم يعترفون بذلك. التالي هو كلامهم الخاص: “سوف نقوم بعملنا على مرأى من الناس، لن نحترم حرية مشاركة المعلومات فحسب، بل سنُصر على كشف عملنا للملأ.” وباعتراف صريح، أكدوا أيضًا طبيعة عملهم المتطرف. قال أحد مؤسسي هذه الجمعية روبرت فانك Robert Funk: “نحن نتفحص أمرًا يُعَدُّ من أهم المقدسات في نظر الملايين من الناس، وبالتالي سنلامس باستمرار حافة التجديف.”
ثانيًا: يستخدمون الأساليب الخاطئة والكتب المغلوطة.
أسلوب جماعة “سمينار يسوع”، أسلوب متحيز يحاول أن يتوصل إلى الحقيقة من طريق التصويت بالإجماع. لا يختلف هذا المنهج في يومنا هذا عن الأيام التي كان يؤمن بها الناس أن الأرض مُسطّحة. وهذا التصويت مبني جزئيًا على أساس إنجيل افتراضي يُدعى كيو) Q من الكلمة الألمانية Quelle، والتي تعني مصدر)، وعلى إنجيل من القرن الثاني يُعرف بإنجيل توما، صادر عن بعض الهراطقة الغنوسيين. وبالإضافة إلى ذلك، هم يستندون إلى إنجيل غير موجود اسمه مرقس السري. والنتيجة هي أن إنجيل توما المنحول باتت له مصداقية أكثر من أي من إنجيلي مرقس ويوحنا.
ثالثًا: يبنون على افتراضات خاطئة
إن استنتاجات جماعة “سمينار يسوع” مبنية على افتراضات متطرفة، كرفضهم للمعجزات مثلًا.
ولكن إن كان الله موجودًا فإن رفض المعجزات هو رفض لوجود الله. إلى ذلك، استنتاجاتهم مبنية على افتراض لا أساس له، فلا يمكن أن يكونوا قد اعتمدوا على مصادر وثنية فيها اعتقاد بتعدد الآلهة، كما لا يمكن أن يكونوا قد اعتمدوا على مصادر ظهرت بعد عصرهم.
رابعًا: يستخدمون التواريخ الخاطئة
تطرح جماعة “سمينار يسوع” تواريخ متأخرة للأناجيل الأربعة (تقريبًا ما بين 70 إلى 100م(، وعليه يعتقدون أن بإمكانهم استنتاج أن العهد الجديد مبني على أساطير لاحقة عن يسوع.
لكن هذا يخالف الدليل المبني على المخطوطات، والذي يعرض نسخة عن أجزاء من إنجيل يوحنا، يرجع تاريخها إلى بدايات القرن الثاني في مصر، وهو ما يدعم فكرة أن أصله آسيوي وأنه من القرن الأول. إلى ذلك، فإن أناجيل العهد الجديد مقتبسة في كتابات أخرى عائدة إلى القرن الأول بما فيها رسالة برنابا، والديداخي (تعليم الرسل)، ورسالة إكليمندوس إلى كورنثوس، والرسائل السبع لإغناطيوس. كما أن المؤرخ كولن هيمر برهن أن إنجيل لوقا كان قد كُتب قبل سفر أعمال الرسل (لوقا 1: 1؛ وأعمال الرسل 1: 1) لذا يُمكن تأريخه، وبناءً على أدلة قوية، ما بين 60- 62م، أي خلال الجيل نفسه الذي شهد موت يسوع. إلى ذلك، فالعلماء النقاد أنفسهم يوافقون على أن 1 كورنثوس كانت قد كُتبت حوالي 55-56م، وهو تاريخ يجعل هذه الكتابة بعد اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين عامًا فقط من موت يسوع (في 33م). ولكن لم يكن بإمكان الأساطير الهامة أن تنشأ وتتطور في غضون هذه الفترة الزمنية القصيرة، لا سيما عندما كان شهود العيان لا يزالون على قيد الحياة لتكذيب هذه الأساطير. وأخيرًا، بعض من العلماء النقاد على استعداد للاعتراف بتاريخ مبكر لأناجيل العهد الجديد. بحث الأسقف الراحل جون أى تى روبنسون John A. T. Robinson في كتاب”إعادة تأريخ العهد الجديد” Redating the New Testament واستنتج أن الأناجيل كُتبت ما بين 40-60م وما فوق. وهذا من شأنه جعل الفترة الفاصلة بين تاريخ كتابة أول وثيقة مكتوبة وبين موت المسيح لا تتعدى السبع سنوات فقط!
خامًسا: يصلون إلى الاستنتاجات الخاطئة
في أعقاب تدمير الأساس ليسوع الحقيقي كما تعلنه لنا الأناجيل، ليس لدى جماعة “سمينار يسوع” أي اتفاق فعلي على هوية يسوع الحقة، تُرى هل هو شخص ساخر، أم رجل حكيم، أم مُصلح يهودي، أم شخص ينادي بمساواة المرأة بالرجل، أم نبي ومعلم، أم نبي اجتماعي، أم نبي يكشف خفايا ما سيحصل في نهاية الأزمان؟ إن كانت مجموعة ما تستخدم أساليب خاطئة، فلا غرابة إذن إن أتت استنتاجاتها خاطئة.
إن المهتمين بدراسة الدلائل على مصداقية الأناجيل الأربعة يمكنهم قراءة مصادر أخرى ككتاب كريغ بلومبرغ Craig blomberg “مصداقية الأناجيل تاريخيًا” The Historical Reliability of the Gospels وكتاب غاري هابرماس Gary Habermas “يسوع التاريخي”.The Historical Jesus والأفضل من ذلك، يمكنهم أن يتناولوا الأناجيل الأربعة لقراءتها من جديد.
مجموعة سيمنار يسوع:
هي جمعية تأسست سنة 1985م تحت رعاية مؤسسة “سانت روز” بكاليفورنيا. ويضيف جوش ماكدويل في كتابه “برهان يتطلب قرارًا” أن الجماعة ضمت بعض الباحثين في العهد الجديد من البروتستانت والكاثوليك الليبراليين بالإضافة إلى بعض اليهود الملحدين، ومعظمهم من أساتذة الجامعة الذكور. ومن خلال هذه الجمعية يلتقي نحو سبعين باحثًا مرتين سنويًا لإصدار بيانات عن مدى أصالة أقوال وأعمال السيد المسيح التي دوَّنتها الأناجيل، ونصف هؤلاء الباحثين من خريجي كليات “هارفارد” أو “كلارمونت” أو “فندويلت” للاهوت. وتحاول جماعة سيمنار يسوع أن تصل إلى الجماهير بأي طريقة لتعلن آراءها المضادة للإيمان القويم، ولذلك يلجأون إلى اللقاءات التليفزيونية والحوارات الصحفية والتسجيلات الصوتية. كما أنهم أنتجوا فيلمًا يدور حول آرائهم، وهم يصرحون بأنهم يخوضون في المقدسات بعدم احترام، فيقولون: “إننا نمتحن ونتفحص ما يعتبره الملايين أعظم المقدسات ولذا فسنظل باستمرار نقترب من عدم احترام المقدسات.” وتُعتبر جماعة سيمنار يسوع جماعة غير مسيحية لأنها تنكر إلوهية السيد المسيح، ومعجزاته، وقيامته، والكثير من أقواله وتعاليمه، حتى أنه عندما تجتمع جمعية سيمنار يسوع يصوتون بالعلامات للوصول إلى أقوال يسوع التي نطق بها، فوضع العلامة الحمراء يعني أن هذا القول غالبًا يرجع في مصدره إلى يسوع، ووضع اللون الوردي (القرنفلي) يعني أنه من المحتمل أن يكون يسوع قد نطق بهذه الأقوال، ووضع اللون الرمادي يعني أنه من المحتمل أن مصدر هذه الأقوال هم أشخاص آخرون غير يسوع، ووضع اللون الأسود يعني أنه من المؤكد أن هذه الأقوال لم يتفوه بها يسوع، وتوصلوا إلى النتائج الآتية من وجهة نظرهم:
2 % تمثل خمس عشرة مقولة يمكن اعتبار أن يسوع هو تفوَّه بها.
82 % لم يتفوه بها يسوع.
16 % من الكلمات مشكوك في أصالتها.