صباح إبراهيم
أتلقى أحيانًا في بعض مقالاتي الدينية أو العلمية تعليقات من بعض الملحدين أو الإسلاميين يعترضون أو يشككون فيها في مصداقية بعض الآيات الواردة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
ويعتبرون – عن عدم فهم المعنى الحقيقي لتلك الآيات – أنها مخالفة للعلم والمنطق، ويكونون بذلك التعليق قد أوهموا أنفسهم أنهم قد حققوا نصرًا كبيرًا ضد أقدس كتاب على الأرض لصالح الملحدين أو المصطفين معهم من الإسلامويين المتعصبين للنخاع من المغسولة أدمغتهم بما تعلًّموه من كتاب الخرافات والمغالطات التي تعلًّموها في كتابهم.
إن الكتاب المقدس كتاب كتبه عشرات الأنبياء بوحي من الروح القدس، روح الله الذي أنار بصيرتهم لكتابة الإلهام السماوي كقصص تاريخية أو شرائع ووصايا إلهية أو تاريخ ملوك أو أحداث جرت عبر العصور فيها دروس وعِبر.
إن عدم وجود تفسير مقنع لبعض الآيات أحيانًا لا يعني أنه لا يوجد لها تفسير منطقي وطبيعي لأن في الكتاب الكثير من الرموز والتصوير والتشبيه والمجاز في الكثير من الآيات، وهو ما يدل على شيء غير الذي نعتقده أثناء القراءة السطحية لتلك الآيات. وقد يكون هناك ارتباط بآيات أخرى لم نمر عليها أو ندرك معناها، وهنا نحتاج إلى الاستعانة بكتب التفسير للمختصين ليشرحوا لنا ما استعصى علينا فهمه من معاني قبل أن نطلق العنان لشكوكنا.
فمثل الحكيمات الخمس والجاهلات الخمس (إنجيل متى 24: 1-13) اللواتي لم يجهزن زيتا لمصابيحهن للاحتياط والاستخدام لوقت الحاجة لا يعني الزيت بما نفهمه من معنى حرفي، وإنما يعني التزود بالحكمة والتدبر في الأمور المقبلة والاحتراس والتخطيط المستقبلي. وكل هذا قد صُوِّر على شكل زيت نفد من المصابيح حتى انطفأت ولم تُستخدم وقت الاحتياج الفعلي إليها.
عبَّر أحد الملحدين في تعليق له في إحدى مقالاتي حول تأييد الكتاب المقدس لكروية الأرض عن اعتراضه على ذلك بقوله: “كيف يمكن للشيطان المُجرِّب لقدرة المسيح أن يُري السيد المسيح كل ممالك العالم ومجدها مرة واحدة كما ورد ذلك في إنجيل متى 4: 8؟ ألا يدل ذلك على أن الأرض مسطحة وليست كروية كما قال الكتاب في سفر إشعياء 40: 22؟”
وجوابي على هذا الملحد هو:
إن كانت للشيطان القدرة الفائقة على عرض كنوز وممالك العالم أمام السيد المسيح فلن يحتاج إلى أرض مسطحة أو كروية لعرض ممالك العالم وكنوزها، فبإمكان قدرته الخارقة للطبيعة (إن وُجِدت) أن تعرض تلك الكنوز والممالك بطريقة ميتافيزيقية أيضًا، ولا يعتمد ذلك على جغرافية الأرض وطبيعتها المادية.
وأنا شخصيًا أشكك بحرفية المعنى لهذه القصة، فليس المقصود منها عرض كنوز وممالك لمنحها للسيد المسيح الذي هو ليس بحاجة إليها أبدًا، ولكنها كانت وسيلة لإغواء السيد المسيح للتنازل والسجود للشيطان اعتقادًا منه بأنه السيد المسيح قابل للخضوع لإغراء سلطان المادة من كنوز الذهب والفضة.
إن المقصود من ذلك التشبيه المجازي هو محاولة الشيطان الخبيثة النيل من قوة الإيمان وإخضاعها لسلطان الشر. وما حكاية عرض الكنوز والممالك إلا عرض مجازي لا يجب أن نأخذه بحرفية ونقول إن الأرض كروية أو مسطحة لنجاح الفكرة.
ونفس الكلام ينطبق على مقولة “أعمدة السماء”، فعقلية الإنسان المُخَاطَب في زمن أنبياء التوراة كانت تعتقد أن السماء التي يرونها بالعين المجردة تشبه القبة لأنها تبدأ من ملامسة الأفق البعيد للأرض وترتفع تدريجيًا إلى أقصاها في سمت الرأس ثم تنخفض نحو الأفق البعيد المعاكس وتتشكل بهيئة قبة سماوية.
والكلام عن الأعمدة هو أيضًا تشبيه لتقريب فكرة أن كل سقف يرتفع بحاجة إلى أعمدة تسنده.
ولا يجب أن تؤخذ حرفية الكلام بل المغزى العام منه. ولهذا لم يقل السيد المسيح لليهود بشكل مباشر: “أنا صورة الله المتجسد” أو “أنا كلمة الله المتجسد” وإلا لقالوا عنه إنه إنسان مجنون، ولكنه قال لهم: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”، وأراهم قدرته الإلهية بشفاء المرضى وإقامة الموتى بطريقة معجزية ليؤمنوا أنه الله المتجسد، وذلك بدلًا من استخدام الكلام المباشر. لقد غفر خطايا الناس وخلق للأعمى عينين وأسمع الأصم وأنطق الأخرس وأكثر الطعام وأشبع أكثر من خمسة آلاف إنسان من خمسة أرغفة خبز وسمكتين وسار على الماء وأقام الموتى. فمن يملك تلك القدرة الربانية غير الله الخالق؟
إن عدم وجود تفسير مقنع لبعض الآيات أحيانًا لا يعني أنه لا يوجد لها تفسير منطقي وطبيعي لأن في الكتاب الكثير من الرموز والتصوير والتشبيه والمجاز في الكثير من الآيات