دخل حمزة يوسف التاريخ كونه أول مسلم يقود حزبا كبيرا في اسكتلندا، وأول مسلم ومهاجر من أقلية عرقية يقود حكومة في دولة أوروبية.
وتولى يوسف، الذي هاجر أجداده من باكستان إلى غلاسكو قبل 60 عاما، مهامه رسميا الأربعاء 29 مارس بعد تعيينه بأمر ملكي وأدائه اليمين أمام المحكمة العليا الاسكتلندية.
ويخلف يوسف، الذي فاز في اقتراع الحزب الوطني الاسكتلندي يوم الاثنين، نيكولا ستورجن التي أعلنت استقالتها بصورة مفاجئة الشهر الماضي بعد ثمانية أعوام في الحكم.
وقال يوسف عقب فوزه إن هذا النجاح بمثابة “تتويج” لقرار أجداده الذين جاءوا إلى المملكة المتحدة في رحلة طويلة من إقليم البنجاب الباكستاني، وهم يعرفون القليل عن اللغة الإنجليزية.
وأضاف يوسف: “كمهاجرين، لم يكن بإمكانهم أن يتخيلوا في أبعد أحلامهم أن حفيدهم سيكون يوما ما على أعتاب أن يصبح الوزير الأول القادم في اسكتلندا”.
وشدد رئيس الحكومة الاسكتلندي الجديد في خطاب فوزه، على ضرورة استمرار نهج الانفتاح على المهاجرين، فهم “يحملون قيمة مضافة كبيرة للمجتمع”، ووصوله إلى السلطة يعد أكبر دليل على صحة هذا النهج.
وحصل يوسف، الذي يبلغ من العمر 37عاما، على أغلبية أصوات الحزب متفوقا على وزيرة المالية كيت فوربس، ووزيرة سلامة المجتمع السابق آش ريغان.
بدأ يوسف رحلته مع السياسة في اسكتلندا في سن صغير حيث لم يكن قد تجاوز عشرين عاما عندما قرر الانضمام إلى الحزب الوطني الاسكتلندي عام 2005، ليبدأ مسيرة توجت باختياره زعيما للحزب.
وفي مايو2011 ، انتخب لعضوية البرلمان الاسكتلندي كعضو إضافي لمنطقة غلاسكو عندما كان عمره 26 عاما، ليصبح آنذاك أصغر نائب ينتخب لعضوية البرلمان.
ولد يوسف في غلاسكو باسكتلندا في عام 1985، لكن أجداده انتقلوا إلى البلاد في عام 1962 من إقليم البنجاب الباكستاني، أما والدته ورغم كونها من جنوب آسيا، إلا أنها هاجرت إلى اسكتلندا من كينيا.
وبعد دراسته، عمل يوسف لفترة وجيزة في مركز اتصال قبل أن يصبح مساعدا للبرلماني بشير أحمد، ثم مساعدا للسياسي البارز أليكس سالموند الذي أصبح فيما بعد رئيسا لوزراء اسكتلندا بين 2007 و2014.
مسيرته المهنية
عام 2012 عين أليكس سالموند يوسف وزيرا للشؤون الخارجية والتنمية الدولية، ومسؤولا عن الشؤون الخارجية وسياسة التجارة العادلة والشتات، ولم يتوقف يوسف عن خدماته في الوزراة حتى بعد تولي ستورجن رئاسة الوزراء.
وأصبح يوسف وزيرا للعدل في 2018، وقدم مشروع قانون تجريم ممارسات الكراهية، وجعل “إثارة الكراهية” ضد الدين أو التوجه الجنسي والعمر والإعاقة وهويات المتحولين جنسيا جريمة.
كما شغل يوسف أيضا منصب وزير النقل ووزير التنمية الدولية قبل أن يصبح وزيرا للصحة في عام 2021.
تحديات وأولويات
من أبرز التحديات المنتظر أن يواجهها يوسف، وفقا لتقارير إعلامية، هي المهمة الضخمة المتمثلة في تحقيق التوافق بين منتمي الحزب الوطني الاسكتلندي بعدما شهد انقسامات بسبب التنافس الشديد على القيادة.
كما سيواجه يوسف مخاوف عدد من أعضاء الحزب الذين يتساءلون عن مدى مستواه الوظيفي، ما سيتطلب منه إثبات نفسه بسرعة.
وجاء يوسف بعد أن كانت ستورجن تتمتع بتوافق تام بين أفراد الحزب، رغم تخاذل حكومتها في بعض الملفات، بينها الرعاية الصحية، والتعليم، ومستوى المعيشة.
إبهار بريطاني متواصل
فوز يوسف يأتي بعد أشهر قليلة من فوز ريشي سوناك الهندي الأصل بمنصب رئاسة الحكومة البريطانية، بعد يوم من فوزه بزعامة حزب المحافظين عقب استقالة ليز تراس، والذي وصفه البعض بأنه آنذاك “معجزة سياسية”.
وقد رحب سوناك برئيس الحكومة الاسكتلندية الجديد وأبدى انفتاحا على التعاون معه، لكنه رفض دعوته لإجراء استفتاء على الوحدة بين إدنبرة ولندن، وقال إن “الاسكتلنديين بانتظار من يعالج مشكلاتهم الراهنة ويساعدهم على مواجهة كلفة الحياة المرتفعة”.
كما يأتي بعد نحو سنتين على فوز مرشح حزب العمال، صادق خان، في انتخابات عمدة لندن للمرة الثانية على التوالي، وهو أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ بريطانيا.
“لحظة تاريخية”
نشر موقع “ذي كونفرزيشن” مقالا لأستاذة السياسة والتاريخ والعلاقات الدولية بجامعة أستون، بارفين أختر، وأستاذ السياسة بجامعة غلاسكو، تيموثي بيس، قالا فيه إن وصول حمزة يوسف لمنصب رئيس وزراء اسكتلندا يعتبر لحظة تاريخية بالنسبة للمملكة المتحدة.
وهذا يعني أنه ولأول مرة في التاريخ، يوجد للبلاد رئيس وزراء هندوسي في ويستمنستر، ريشي سوناك، وآخر مسلم في اسكتلندا.
وأشار الكاتبان لما قاله يوسف في خطاب النصر: “يجب أن نفخر جميعا بحقيقة أننا أرسلنا اليوم رسالة واضحة، مفادها أن لون بشرتك، ودينك، ليسا عائقا أمام قيادة الدولة التي نسميها جميعا الوطن”.
ويشير المقال إلى أن هذين الرجلين هما من أبناء المهاجرين الذين قدموا إلى المملكة المتحدة بحثا عن حياة أفضل، لذا فهما يجسدان في ظاهر الأمر الحلم الذي يفتح المجال للمهاجرين وأبنائهم لأن يصلوا إلى مناصب كبرى في المجتمع من خلال العمل الجاد.