اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان باستخدام صندوق الاستثمارات العامة السيادي في ارتكاب انتهاكات حقوقية ثم في التغطية على تلك الانتهاكات.
وفي تقرير مطوّل، بعنوان “الرجل الذي اشترى العالم”، قالت المنظمة الحقوقية إن “ثروة الدولة السعودية الهائلة يسيطر عليها شخص واحد فعليًا”، في إشارة إلى بن سلمان رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يعدّ أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم؛ وتُقدّر قيمته بنحو تريليون دولار.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن رأس مال الصندوق استُخدم بالفعل في إقامة مشاريع تسببت في “طرد سُكان” كانوا يعيشون في أماكن تلك المشاريع و”دمّرت أحياء وأخضعت عُمّالًا وافدين لانتهاكات خطيرة وأسكتت المجتمعات المحلية”.
على رأس تلك المشاريع، مدينة نيوم، وهي منطقة اقتصادية جديدة على البحر الأحمر تُبنى من الصفر.
وبحسب “هيومن رايتس ووتش”، “طردت السلطات السعودية أفرادًا من قبيلة الحويطات، التي سكنت على مدى قرون منطقة نيوم المخطط لها، كما اعتقلت الذين احتجّوا على الإجلاء من هؤلاء السكان وقتلت أحدهم، فيما حكمت على اثنين منهم بالسجن 50 عامًا وعلى ثلاثة بالإعدام لمقاومتهم عملية الإخلاء القسري”.
أيضًا، منظمة القسط لحقوق الإنسان (مستقلة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة)، أصدرت تقريرًا حول ما قالت إنه “الجانب المظلم من مشروع نيوم”، مشيرة إلى انتهاكات جسيمة تتعلق بالتهجير القسري وملاحقة سكان المنطقة الأصليين”، وغير ذلك من المخاوف التي تضمنت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق العمال.
من جهتها، لم تعلّق السلطات السعودية على ذلك حتى الآن.
وفي حديث لبي بي سي، قال عبد العزيز بن رازن، المستشار في مركز الدراسات العربية بالرياض: إن “منظمة “هيومن رايتس ووتش” تهتم بالجانب الإنساني، وتتابع حقوق الإنسان في كل دول العالم، ولابُدّ أنها بذلك شاهدت الجهود الإنسانية والدور الإغاثي الذي تقوم به المملكة السعودية في كثير من الدول المنكوبة على نحو لا يقبل التشكيك”.
وتساءل بن رازن: “هل يُعقل أنّ دولة تقوم بكل هذه الأعمال الإنسانية تكون بهذه القسوة على شعبها على حدّ ما يصوّر تقرير هيومن رايتس ووتش؟”.
وفيما يتعلق بطرد السكان قسرًا من أجل إقامة مشروعات، قال بن رازن: “السعودية تعيش مرحلة تغيير تنموي مرتبطة بمشاريع تخدم الشعب، وكلّ من تضرروا من هذه المشاريع صُرفت لهم تعويضات مجزية جدًا، ولم يظهر في المشهد السياسي والاجتماعي مَن ينتقد هذا التصرّف، بل على العكس الشعب فخور بما يحدث والبعض في حالة ذهول من هذه النقلة النوعية في حياة المجتمع السعودي”.
وتوازي مدينة نيوم في مساحتها مساحة ولاية ماساتشوستس الأمريكية. ويمثّل مشروع نيوم أولوية لولي العهد السعودي، ويُعتبر جزءًا أساسيًا من رؤيته للمملكة 2030.
وإلى جانب كونها “تطويرًا عقاريًا ضخمًا”، يطمح ابن سلمان في أن تكون مدينة نيوم “وطنًا للصناعات” بما يوجِد تنوعيًا لاقتصاد المملكة، بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
وفي ذلك، قال المستشار عبد العزيز بن رازن: “ولي العهد السعودي شاب طموح وجد أن في بلاده ثروات كبيرة وفرصًا استثمارية كثيرة لم تُستغلّ من قبل، فعمل على تنويع مصادر الدخل للدولة والتي كانت مقتصرة على النفط”.
لكن معارضين يرون في مشروع نيوم “إهدارًا لأموال المملكة في أشياء غير ضرورية”.
وفي وقت الإعلان عنه في 2017، كانت التكلفة المرصودة لمشروع نيوم هي 500 مليار دولار، فيما يقول مختصون إن التكلفة الواقعية للمشروع تتجاوز 2 ترليون دولار، نقلًا عن صحيفة وول ستريت جورنال.
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إنها لم تجد في المشاريع التي يمولها صندوق الاستثمارات العامة السعودي (وعلى رأسها مشروع نيوم) ما يدل على تعزيز التزامات الحكومة بالوفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعبها.
ويعتبر معدل الفقر بين السعوديين هو الأعلى مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، بنسبة 13.6%، ما يعني أن الفقر يؤثر على نحو “واحد من بين كل سبعة سعوديين”، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
في ذلك، قال المستشار عبد العزيز بن رازن: “في كل المجتمعات يوجد فقر، لكن السؤال الأهم هو “أيّ هذه المجتمعات أو الدول أقلّ فقرًا؟”، بالأرقام لا توجد دراسة رسمية تثبت أن المواطن السعودي يعيش حالة الفقر”.
وأضاف بن رازن: “مَن يزور السعودية ويتنقل بين مدنها لن يصله شعور بأن هناك نسبة كبيرة تعيش في فقر، بدليل البرامج المالية التي تستهدف الأشخاص الذين لا يملكون دخلًا ثابتًا وهي كثيرة”.
وتطرّق تقرير “هيومن رايتس ووتش” إلى انتهاكات حقوقية أسهم فيها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، مشيرًا على سبيل المثال إلى مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي عام 2018.
وأوضح التقرير “أن الطائرتين اللتين استُخدمتا لنقل المتورطين في عملية قتل خاشقجي إلى اسطنبول هما تابعتان لشركة سكاي برايم للخدمات الجوية، والتي نُقلت ملكيتها إلى الصندوق ضمن “حملة لمكافحة الفساد” شنّها ولي العهد السعودي في عام 2017 وشملت بدورها “اعتقالات تعسفية وابتزاز ممتلكات من النخبة السعودية” بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقال التقرير الحقوقي، إن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي استُخدمت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى حول العالم كـ”أداة للقوة الناعمة والنفوذ السعودي”.
وقبل نحو عشر سنوات، أُعطي الضوء الأخضر لصندوق الاستثمارات العامة السعودي لكي يتوسّع، وكان الطريق ممهدًا أمامه لذلك، وفقًا لمجلة الإيكونوميست البريطانية.
ومنذ ذلك الحين، اشترى صندوق الاستثمارات السعودي أسهُمًا في كل مجال من مطار هيثرو البريطاني وشركة نينتندو اليابانية لألعاب الفيديو إلى استوديوهات هوليوود الأمريكية فضلًا عن فنادق فرنسية.
وشملت الاستثمارات مجال الرياضة مثل دوري “ليف جولف” و”كأس العالم 2034″ و”نادي نيو كاسل يونايتد” لكرة القدم في بريطانيا.
وفي العام الماضي، احتل صندوق الاستثمارات العامة السعودي المركز الأول عالميًا كأكثر صناديق الثروة السيادية إنفاقًا في العالم، بحسب المجلة البريطانية. ومن المستهدف أن تزداد ثروة الصندوق السعودي من 3.5 إلى 7.5 تريليون ريال بنهاية العقد الراهن.
ويرى حقوقيون أن المشاريع السياحية والرياضية وغيرها من المشروعات الضخمة تُستخدم لغسيل سُمعة المملكة السعودية من انتهاكات حقوق الإنسان.
ورأت “هيومن رايتس ووتش” أن هذه الاستثمارات تسعى إلى “حشْد الدعم الأجنبي غير المنتقد لأجندة محمد بن سلمان، ونشْر معلومات مضللة حول السِجل السعودي لحقوق الإنسان، وتحييد التدقيق، وإسكات المنتقدين، وتقويض المؤسسات التي تسعى إلى الشفافية والمساءلة”.
وقالت منظمة القسط لحقوق الإنسان إن “التحديات الأخلاقية الخطيرة الراهنة ومخاطر السمعة لشركاء ومستثمري المشروع المحتملين” باتت أكثر من أي وقت مضى.
وقالت جوليا ليجنر، المديرة التنفيذية لمنظمة القسط: “يعتمد تطوير مشروع مدينة نيوم بشكل كبير على الاستثمار والشراكات الدولية، مما يجعل الشركات الأجنبية من بين أفضل الجهات الفاعلة التي تتمتع بسلطة حقيقية لتحدي السلطات السعودية، ونحثهم على النظر عن كثب في الأدلة واتخاذ الإجراء المناسب”.
وفي حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، قال المعارض السعودي من المنفى يحيى العسيري إن “الوضع بالنسبة لحرية التعبير في السعودية الآن هو الأسوأ على مرّ تاريخ المملكة”.
وأضاف العسيري: “لا أحد في البلاد، لا أحد على الإطلاق، يُسمح له بقول أي شيء ما لم يكن ذلك بإذن من السلطات. إنهم يتشددون في مراقبة الناس، ويدققون في كل تغريدة، بل في كل كلمة، وقد تلقّى أشخاص أحكامًا بالسجن لسنوات وسنوات من أجل بضع كلمات عبر تويتر”.
لكن المستشار عبد العزيز بن رازن يرى أن “كل الحقوق السياسية وغيرها مكفولة للمواطن السعودي، ضمن إطار واضح عنوانه الاستقرار والأمان”.
وأضاف بأن “العدل هو من أهم الثوابت في المملكة السعودية، مشيرًا إلى خدمات إلكترونية تقدّمها وزارة العدل السعودية قلّما توجد في دول أخرى”.