منوعات

هل الله مصدر الشر؟

إيهاب صادق

هل الله مصدر الشر؟

ما معنى أن الله: “مصور النور وخالق الظلمة صانع ‏السلام وخالق الشر”‏​

  نقرأ في سفر (إشعياء 45: 7) هذا الإعلان عن الله أنه هو “مصور النور وخالق الظلمة صانع ‏السلام وخالق الشر”‏​يرتبط بهذا العدد بعض الأعداد الأخرى التي تبدو وكأنها تعلن أن الله هو مصدر الشر ‏(عاموس 3: 6)، و(مراثي إرميا 3: 38).

  الكثير من الناس في العالم لا يؤمنون بالله، ومن ضمن ‏أسباب عدم إيمانهم، اعتقادهم بأنه طالما الشر موجود في العالم فلابد أن الله غير موجود، إذ ‏إن الله هو خير والله الكامل لا يمكن أن يخلق كونًا به شر، وطالما أن الله هو الذي خلق كل ‏شيء، فلابد إذن إنه هو الذي خلق الشر… وإله مثل هذا لا يمكن أن يكون هو الله، هذا هو ‏تفكير الملحدين.‏ دعونا نبدأ هذا التحليل بشرح لمعنى كلمة شر كما وردت في (إشعياء 45: 7)، لأنه النص الأهم ‏حتى يمكننا فهم ما هو المقصود من هذا التعبير “خالق الشر”.‏

  معنى كلمة الشر:‏ ليس المقصود دائمًا بكلمة الشر عندما ترد في العهد القديم أن يكون المعنى هو الشر الأدبي ‏والانحراف عن كل ما هو مستقيم. فهذا المعنى هو أحد معاني كلمة ” רע – رَع ” العبرية ‏وهذه المعاني كما يوردها جيزنس صـ 772 كلمة رقم 7453 كالتالي:

‏ ‏  1-‏ شيء ما رديء (لاويين 27 : 10؛ تث 17: 1؛ 2مل 2 :19).

  ‏ ‏2-‏ سوء الحظ (إش 3 : 11). ‏

 ‏  3-‏ أما الكلمة في المؤنث “רעה – رعه” وهي الواردة في (إشعياء 45: 7) بحسب ما يقول ‏جيزنس صـ 773 كلمه رقم 7451، فهي أما أن تشير إلى ذلك الشر الذي يصنعه أي ‏إنسان (أيوب20: 12؛ مز97 : 10)، أو الشر الذي يحدث لأي إنسان، وبذلك يكون هذا ‏الشر هو المصيبة أو البلوى أو المأساة التي تصيب الإنسان.

  فالمعنى الأول هو من ‏الاتجاه الأدبي، أما الثاني فهو يشير إلى ما هو من نتاج الأول أو عقابًا بسببه. في سفر ‏(عاموس3: 6) ترد ذات الكلمة وتترجم “بلية” وفي (مراثي إرميا3: 38) نقرأ: “من فم العلي ‏ألا تخرج الشرور والخير؟” ونجد في هذا النص أن فم العلي يشير إلى أنه لا يحدث شيء ‏على الأرض والله لم يكن محددًا له قبل ذلك، لا يوجد من يمكنه أن ينفذ إرادة له ‏ويصدر أمرًا وهو ضد المشيئة الإلهية المعينة من قبل، لذلك فالخير والشرور “المصائب” ‏هما تحت السيطرة الإلهية.‏‏

  سفر الجامعة أصحاح 5 يؤكد على أن يوم الولادة ويوم الممات لهم وقت محدد من قَبل، ‏وكل ما بينهما هو أيضًا محدد من قَبل (جامعة5: 1). ما نفهمه إذًا إن المقصود بكلمة “‏الشر” هنا ليس الخطية ولكن “المأسى” وبهذا المعنى ترجمتها غالبية الترجمات الحديثة إلى ‏الكلمات الإنجليزية إلى ‏calamity , disaster‏ أشار بارنس إلى أنه يجب أن يفهم العدد من ‏خلال المقطع الذي فيه، وفي (إش45: 7) نفهم أن الله سوف يُنجح كورش وأن الأمم التي ‏سوف يقهرها سوف تنال عواقب وخيمة، فهذا عقاب الله لها بواسطة أداتهِ كورش وكل ما ‏يحدث لها هو من مآسٍ هو تحت التوجيه والسيطرة الإلهية. هو ليس من عمل الصدفة ولا ‏من صنع آلهة أخرى، إنه من إرادة الله، وبهذا المعنى يكون الله هو الذي خلق الشر أي ‏عاقب شر البشر بإصابتهم بمآسٍ.‏

  الشر ليس مخلوقًا:‏ لا تشير كلمة خلق هنا في (إشعياء45: 7) إلى تكوين شيء من لا شيء، أو إلى خلق مادة ما ‏تخضع لقوانين الطبيعة، فالشر ليس مخلوقًا فيزيائيًا له أبعاد ممكن إدراكه كمادة ما يمكن ‏رؤيته أو سماعه أو لمسه.‏ النور عكس الظلمة، لكن الشر ليس عكس السلام:‏ استخدم الشعر العبري في الكتاب المقدس أسلوبًا سمي التوازي، وهذا التوازي قد يكون ‏متشابهًا ويسمى توازيًا متشابهًا وذلك بأن يكون هناك مقطعان: أحداهما له نفس معنى الآخر ‏مع اختلاف الكلمات، أو يسمى توازيًا مضادًا، أي إن أحد المقطعين مضاد للآخر، وهنا في (‏إشعياء45: 7) نجد أن النور مُضاد للظلام ولكن الشر ليس المضاد للسلام بل الخير، لذلك ‏ليس المقصود من الشر هنا هو ما عكس الخير ولكن ما هو عكس السلام أي الاضطراب ‏والقلق والمآسي.‏

  في سفر الجامعة أصحاح 3 تكلم الحكيم عن 14 مرة يزم “الشيء وضده” من التضاد وهذا ‏الأسلوب يسمى في العبرية מריזם ‏merism‏ وهي كالتالي:‏ ‏1- الولادة والموت ‏2- الغرس والقلع ‏3- القتل والشفاء ‏4- الهدم والبناء ‏5- البكاء والفرح ‏ ‏6- النوح والرقص ‏7- التفريق والجمع ‏ ‏8- المعانقة والانفصال ‏9- التمزيق والتخييط ‏10- السكوت والتكلم ‏ ‏11- الكسب والخسارة ‏12- الصيانة والطرح ‏ ‏13- الحب والبغضة ‏14- الحرب والصلح وهذه الكلمة الأخيرة “الصلح” تأتي في النص العبري “שלום – شلوم” وهي الكلمة ذاتها ‏المستخدمة “السلام” في الكتاب، إذن عكس السلام هو الحرب وليس الشر، فالمقصود إذن في ‏(إش45: 7) هو المأسى وليس الشر الأدبي.‏ الله يكره الشر الأدبي:‏ لا يمكن أن يكون الله هو مصدر الشر الأدبي “الخطية”. فقد أعلن كثيرًا في كتابه أنه يكره ‏الخطية والشر (قارن 2أخبار19: 7؛ أيوب34: 10؛ مزمور5: 4؛ 92: 15؛ إرميا2: 25؛ ‏تيطس1: 2؛ جامعة12: 14؛ رومية13: 4؛ حبقوق1: 13). ‏ كان أيوب يفهم هذا المعنى جيدًا لذلك قال لزوجته عندما حلت به المصائب: “أالخير نقبل ‏من عند الله والشر لا نقبل؟” (أيوب2: 10).

  لا تُعلّم المسيحية التي أنتمي لها ولا اليهودية التي كتابها جزء من كتابي، لا يُعلّمان أن الله هو مصدر الشر، وإليكم بعض الشواهد التي تؤكد هذا:

  • عندما أنهى الله خلق الله السموات والأرض بعد ستة أيام رأى أن كل ما عمله هو “حسن” good وفي العبرية “טוב طوڤ” المضاد لكلمه شر “רע رع”. إذن ما يقوله الكتاب المقدس إن كل ما عمله الله هو “خير” أي أن الله لم يعمل “شرًا” في الخليقة، فهو إذن ليس المسئول عن وجود الشر في العالم المخلوق. هذه شهادة الكتاب اليهودي.

  • في العهد الجديد يقول يعقوب الرسول إن الله غير مجرّب بالشرور (يعقوب1: 13) وفي (يوحنا الأولى1: 25) يقول أحد حواري المسيح وهو يوحنا إن الله “نور وليس فيه ظلمة البتة”. إذن المسيحية تقول في كتابها إن الله ليس المسئول المباشر عن وجود “الشر الأدبي أو الأخلاقي” أو بتعبير آخر “الخطية والإثم”.

  • ذكرت أن الشر ليس مخلوقًا، فكما أن الظلمة هي غياب النور، كذلك الشر هو غياب الخير، إن رأيت مخلوقًا واحدًا ليس فيه أي ذرة خير، فهذا هو الشيطان ولكن “الشر” ذاته هو “نقص أو غياب الكمال الأدبي”، إن أي تصرف لا يليق بالأدبيات والأخلاقيات القياسية يسمى “شرًا”، فليس القتل أو الزنا فقط هم الشر (وهم كذلك) ولكن النقصات الأدبية هي “شر”. الكثير من الشعوب الوثنية تفهم الشر من هذا المنطلق مع أنها لا تؤمن بالله.

  4- بالنسبة لنا نحن الذين أنعم الله علينا بنعمة “الإيمان” به نفهم أن الله كلي السلطان وهو المتحكم في كل الأمور، ولأن شعوب الوثنيين أيام العهد القديم كانت تؤمن بإله للعواصف وإله للمطر وإله للرياح وإله للخصب وهكذا… فلهذا يظهر العهد القديم الله أنه هو الذي يسمح بحدوث كل شيء وليس هذه الآلهة الوثنية، فالشر الذي يصنعه الإنسان في أوقات معينة أو الذي يصنعه الشيطان باستمرار لا يفاجئ الله (حاشا!) ولا يعوّق تحقيق مقاصده، ببساطة لأن الله منذ البداية يعرف النهاية ويفعل ما يريد. ولهذا قال: “لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلي مخبر منذ البدء بالأخير و (مخبر) منذ القديم بما لم يُفعل (بعد) قائلاً: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي” (إشعياء 46 : 9-10).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى