منوعات
هل يمكننا أن نكون صالحين دون الله؟
وليم لين كريج
“ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله” (مرقس ۱۰: ۱۸).
قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال في البداية واضحة جدًا، لدرجة تزيد معها احتمالية إغضاب الناس؛ فمع أن المسيحيين يجدون في الله مصدرًا لقوة أخلاقية تساعدنا أن تكون حياتنا أفضل من تلك الحياة التي كنا لنحياها دونه، فإن لمن الغرور والجهل ادعاء أن حياة غير المؤمنين ليست في الغالب أخلاقية صالحة، بل في الواقع هي أحيانًا تشعرنا بالخجل.
ولتنتظر لحظة! مع أن من الغرور والجهل ادعاء أن الناس غير قادرين أن يكونوا صالحين دون الإيمان بالله، فلم يكن هذا هو السؤال؛ إذ كان السؤال هو: هل يمكننا أن نكون صالحين دون الله؟ حين نطرح ذلك السؤال نسأل عن طبيعة القيم الأخلاقية، فهل القيم التي نجلها وتقود حياتنا هي فقط أعراف اجتماعية، مثل القيادة على الجانب الأيمن من الطريق مقابل القيادة على الجانب الأيسر منه؟ أم مجرد تعبير عن الاستحسان الشخصي، مثل تفضيل مذاق أطعمة معينة؟ أم أنها صالحة وملزمة، بالاستقلال عن رأينا، وإذا كانت القيم متجردة بهذه الطريقة، فما أساسها؟
حجة أخلاقية مؤيدة لوجود الله
اعتقد الكثير من الفلاسفة أن الأخلاقيات تقدم حجة جيدة لوجود الله، ومن أحسن هؤلاء وليم سورلي (Wiliam Sorey) والذي كان أستاذًا للفلسفة الأخلاقية في جامعة كامبردج. ففي كتابه “القيم الأخلاقية وفكرة الله” (Moral Values and the idea of God) في عام ۱۹۱۸م، يقول سورلي: إن أفضل رجاء من أجل نظرة عقلانية موحدة للواقع هو في افتراض أن الله هو أساس النظامين الطبيعي والأخلاقي كليهما.
ويقول سورلي إن هناك نظامًا أخلاقيًا موضوعيًا، وهذا النظام حقيقي ومستقل عنا تمامًا مثلما هي الحال في النظام الطبيعي للأشياء، ويعترف أنه لا يمكننا إثبات وجود قيم أخلاقية موضوعية، لكنه يشير إلى أنه بذلك المنطق لا يمكننا إثبات وجود العالم الطبيعي للأشياء المادية أيضًا! (يمكن أن تكون جسدًا مستلقيًا تختبر واقعًا افتراضيًا)، لذا فالنظام الأخلاقي والنظام الطبيعي على قدم المساواة، فتمامًا كما نفترض واقعية عالم الأشياء على أساس اختبارنا الحسي، نفترض واقعية النظام الأخلاقي على أساس اختبارنا الأخلاقي.
في رأي سورلي، النظام الطبيعي والنظام الأخلاقي كلاهما جزء من الواقع، لذا فالسؤال هو: أي نظرة يمكن أن تدمج هذين النظامين في أكثر الأشكال التفسيرية تماسكًا؟ رأى سورلي أن أفضل تفسير هو الله؛ إذ لا بد من وجود عقل أزلي غير محدود خطط الطبيعة، وله غرض أخلاقي ينفذه الإنسان والكون بالتدريج.
صادفت شخصيًا الحجة الأخلاقية، بينما كنت أتحدث في الجامعات بشأن عبثية الحياة دون الله؛ فقد كنت أرى أنه إن لم يكن الله موجودًا، فلا يوجد أساس لقيم أخلاقية موضوعية، إذ يصبح كل شيء نسبيًا.
لم يدحض ما قاله الطلاب ما تكلمت عنه أن القيم الموضوعية غير موجودة دون الله، فبدل ذلك قدموا إليّ على نحو عفوي المقدمة المفقودة في حجة أخلاقية تؤيد وجود الله! إذ يمكننا الآن أن نقول:
-
إذا كان الله غير موجود، فلا توجد قيم وواجبات أخلاقية موضوعية.