لعلك تقول: “آه، إن مكافحة الشر والظلم في العالم شيء، أما إرسال الناس إلى جهنم فشيء آخر. إن الكتاب المقدس يتحدث بشأن العقاب الأبدي. فكيف يتوافق هذا مع محبة الله؟ لا يمكنني أن أوافق مجرد فكرة جهنم مع إله محب”. فكيف نتولى أمر هذا التوفيق المنطقي؟
يفكر أهل عصرنا حتمًا في مسألة جهنم إجرائيًا على النحو التالى: الله يعطينا وقتًا، ولكن إن كنا لم نقم بالاختيارات الصحيحة في آخر حياتنا، يطرح نفوسنا في جهنم طوال الأبدية. وإذا تهوي النفوس المسكينة عبر الفضاء، تصرخ طالبة الرحمة، ولكن الله يقول: “فات الأوان! لقد أتيحت لك فرصتك! والآن سوف تتعذبين!” غير أن هذه الصورة الممسوخة تُسئ فهم طبيعة البشر بحد ذاتها. فالصورة التي يبرزها الكتاب المقدس هي أن الخطية تفصلنا عن حضرة الله المباشرة، فأمام وجهه فقط ننمو ونزهو ونحقق أقصى إمكانياتنا. فإن حرمنا حضرته كليًا، كان ذلك هو جهنم، أي فقدان قدرتنا على بذل المحبة أو الفرح أو تلقيهما.
جهنم والمساواة بين الناس
ولنرجع إلى الصحافيين الشكاكين في حلقة النقاش التي عقدها رك وارن. فقد أقلقهم أن أي مسيحي يعتقد أن بعض الناس مصيرهم جهنم لابد أن يتصور أن أولئك الناس يفتقرون إلى المساواة وأنهم أقل استحقاقًا للحقوق المدنية. ولكن هذا القلق يسئ فهم ما يُعلمه الكتاب المقدس عن طبيعة الخلاص والدينونة.
فكما يشير سى. أس. لويس، الرحلة إلى جهنم هي عملية يمكن أن تبدأ بشيء حميد في ظاهره، مثل المزاج المتذمر. فلا أحد يقدر أن يجيل بصره على جماعة المتعبدين في يوم الأحد، أو جمهور المشاهدين في إحدى المباريات، أو المستمعين في حفلة موسيقية كبيرة، ويكون على يقين من جهة من سيذهب في آخر المطاف إلى السماء أو إلى جهنم. إذ إن المجاهر اليوم بأنه مؤمن قد يكون هو المرتد غدًا، كما أن المجاهر اليوم بأنه غير مؤمن قد يكون هو المهتدى غدًا. فيجب علينا ألا نقرر قرارات ثابتة ونهائية بشأن الحالة الروحية لأي شخص، أو بشأن مصيره الأبدي.
بعدما تحدثت مرة بشأن الإيمان المسيحي إلى حشد مجتمع في بيت مديني في منهاتن، تقدمت إليَّ امرأتان سمعتا حديثي. وقالت كلتاهما إن الإيمان بالدينونة الأبدية يجعلني شخصًا ضيق الأفق كثيرًا. فسألتهما: “أنتما تعتقدان أني مخطئ بشأن هذه الأسئلة الدينية، وأنا أعتقد أنكما مُخطئتان. فلماذا لا يجعلكما ذلك ضيقتي الأفق على غراري؟” وردت إحداهما: “هذا الأمر مختلف. فأنت تعتقد أننا هالكتان إلى الأبد! ونحن لا نعتقد أنك أنت هالك. وهذا يجعلك أضيق منا أفقًا”. إلا أني لم أوافق، وإليك ما اقترحته عليهما.
إن المسيحي المؤمن والشخص اللاديني كليهما يعتقدان أن للأنانية والقساوة عواقب ضارة جدًا. فلأن المسيحيين يؤمنون بأن النفوس لا تموت، فهم أيضًا يؤمنون بأن الأخطاء الخُلقية والروحية تؤثر في النفس إلى الأبد. والأشخاص الليبراليون اللادينيون يؤمنون أيضًا بأن هنالك أخطاء خُلقية وروحية رهيبة، مثل الاستغلال والظلم. ولكن لأنهم لا يؤمنون بحياة بعد، فلأن المسيحيين يعتقدون أن للإثم عواقب أطول أمدًا مما يعتقدون اللادينيون، أفيعنى ذلك أنهم أضيق أفقًا بطريقة ما؟
تخيل شخصين يتجادلان بشأن طبيعة كعكة محلاة صغيرة. فسليم يعتقد أن الكعكة سم. وسلمى تعتقد أنها ليست كذلك. وسليم يعتقد أن نظرة سلمى الخاطئة إلى الكعكة ستؤدى بها إلى المشفى أو إلى ما هو أسوأ. وسلمى تعتقد أن نظرة سليم الخاطئة إلى الكعكة ستحرمه من تناول كعكة طيبة. فهل سليم أضيق من سلمى أفق تفكير فقط لأنه يعتقد ذلك؟ وهكذا، فإن المسيحيين ليسوا أضيق أفقًا لأنهم يعتقدون أن للتفكير والتصرف آثارًا أبدية.