د. فريز صموئيل
في كتاب “فساد بني إسرائيل في الأرض وعلوهم الكبير مرتين” كتب الشيخ د. أحمد حجازي السقا: “في السنة 1967 كنت طالبًا بالسنة الرابعة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر. حصلت المعركة في اليوم الخامس من يونيه، وكان الطلاب يمتحنون وتوقف الامتحان… وكان من عاداتي إذا سمعت عن محاضرة في قاعة من قاعات المحاضرات العامة في مصر أن أذهب للاستماع، ومما سمعته في آخر تلك السنة محاضرة للأستاذ الدكتور أحمد جمعة الشرباصي في قبة الغورى بالأزهر قال فيها: إن معركة يونية 1967 كان لإنجلترا والفرنسيين بها علم قبل وقوعها اعتمادًا على نبوءة في التوراة وكانوا يصرحون بذلك علنًا… وبعد سنوات أطلعني الشيخ محمود مصطفى بدوي على نص التوراة عن هذه المعركة، وعلى كلام مفسري التوراة في هذا النص.
وفي تقديمه للطبعة الأولى من هذا الكتاب، كتب د. عبد الغني الراجحي عميد كلية أصول الدين: “لقد فسر بعض مفسري القرآن الكريم الآيات الكريمة: “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرًا” سورة الإسراء 4، تفسيرًا ينقصه منهج البحث السليم. لقد كان من الواجب عليهم قبل أن يفسروا الآيات أن يذكروا لنا نص التوراة الذي تشير إليه الآيات، ثم بعد ذكر النص يذكرون لنا وجهة نظر أهل الكتاب في النص لأنهم أعرف الناس أولاً بلغة كتابهم ثم بعد ذلك يناقشون الموضوع على ضوء آيات القرآن وآيات التوراة وأقوال الربانيين والأحبار. واعتقد لو أنهم فعلوا ذلك لوصلوا إلى رأي محكم سديد.
فما هو المنهج السليم الذي أدى إلى الوصول إلى رأي سديد والذي اتبعه د. أحمد حجازي السقا؟ لقد قال:
1- إن حرب الخامس من يونيه عام سبعة وستين وتسعمائة بعد الألف من الميلاد بين إسرائيل والمسلمين هي المرة الأولى التي تم فيها فساد وعلو كبير لبني إسرائيل بعد نزول القرآن الكريم.
2- والمرة الثانية لفساد بني إسرائيل وعلوهم في فلسطين ستكون بعد المرة الأولى بمقدار ألف ومائتين وتسعين سنة حسبما ورد في الأصحاح الثاني عشر من سفر دانيال. ثم بعد غلبهم كالمرة الأولى يغلب المسلمون بإذن الله في مدة تقدر بخمسة وأربعين عامًا.
ثم بعد ذلك بدأ الشيخ أحمد حجازي في تفسيره لنبوات سفر دانيال كما يلى:
في الأصحاح الثاني من سفر دانيال تحدث عن أربع ممالك تقوم على الأرض: مملكة بابل ومملكة فارس ومملكة اليونان ومملكة الرومان. ثم يقول عن أمة الإسلام “وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا ومُلكها لا يترك لشعب آخر وتُسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد” (دا2: 44).
في الأصحاح السابع تحدث عن نبي الإسلام.. فقال: “كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان آتيًا. وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأُعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي، ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض. (دا 7: 13 و14).
وفي تفسيره لدانيال (8: 13 و14) “… إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين. فقال إلى ألفين وثلاثة مئة صباح مساء فيتبرأ القدس”، فقال “المحرقة الدائمة” يقصد تعطيل الشعائر الدينية من المسجد الأقصى. ثم منها استنتج فساد إسرائيل للمرة الأولى وحدوث النكسة عام 1967م.
2300 سنة – 333 (وقت كتابة سفر دانيال) = 1967 (الهزيمة الأولى).
في دا 9: “سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتي بالبر الأبدي ولختم الرؤيا ولمسح قدوس القدوسين فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة وبعد اثنين وستين أسبوعًا يُقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس” (دا9: 24–26).
ويفسر سيادته النص كما يلي: 7 + 62 = 69 أسبوعاً = 483 سنة
483 + 90 (تاريخ تسلم السفر من اليهود) = 583 والرسول قد ولد سنة 570 وقبل 571م، والزمن قريب أي أن هذه نبوة عن زمن ولادة الرسول.
ولو حسبت 490 مدة السبعين أسبوعًا وزدت عليهم 132 سنة وهي سنة تشتت اليهود من فلسطين على يد أدريانوس = 622 وهي سنة هجرة النبي إلى يثرب (المدينة).
ولو أنك كتبت 490 سنة وزدت عليهم 90 سنة لكان الرقم 850 وهو قريب من وقت ظهور النبي.
وفي تفسيره لدانيال 12: “من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس الخراب ألف ومائتان وتسعون يومًا. طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف وثلاث مئة والخمسة والثلاثين يومًا” (دا 12: 11 و12).
يقول: من سنة 1967 “سنة إزالة المحرقة” يضاف عدد 1290 فيكون المجموع 3257 سنة وفي هذا الوقت يتم الإفساد الثاني لبني إسرائيل في أرض فلسطين. وبعد خمس وأربعين سنة يتم القضاء عليهم “فساد بني إسرائيل في الأرض وعلوهم الكبير مرتين ص 2 – 50”.
ولنا على هذه الأقوال عدة ملاحظات موجزة:
1- سفر دانيال كتبه النبي دانيال أثناء السبي البابلي، يتكون من اثنى عشر إصحاحًا ويحتوي على العديد من النبوات، ولتفسير هذه النبوات مبادئ وأسس يجب أن لا نخرج عنها وكما قال د. عبد الغني الراجحي: “أهل الكتاب.. أعرف الناس بلغة كتابهم” ومن هذه المبادئ:
التفسير اللغوي: أي معرفة معنى الكلمات. فمثلاً المحرقة الدائمة هي ذبائح كان يقدمها بني إسرائيل صباحًا ومساءً في الهيكل وليست تعطيل الشعائر الدينية في المسجد الأقصى. ولست أدري متى تعطلت الشعائر الدينية في المسجد الأقصى.
معرفة الخلفية التاريخية والحضارية فمن التاريخ نعرف متى تمت الأحداث مثل صدور الأمر بتجديد الهيكل وأيضًا نعرف ما هو المقصود بـ “رجسة الخراب” أي تدنيس الهيكل في زمن أنتطيوخس أبيفانس “الدولة السلوقية” وغيرها من الأحداث.
مراعاة قرينة النص أي عدم فصل النص عن بقية الجزء المقتبس منه وتفسيره على هوى الكاتب. فعندما ندرس ما جاء في دانيال الأصحاح التاسع يختلف التفسير الصحيح عن ما ذهب إليه الكاتب.
تفسير النص في ضوء النصوص الأخرى الموازية له، سواء في السفر نفسه أو بقية أسفار الكتاب المقدس، وهذا ما لم يطبقه د. حجازي عند تفسيره نبوات سفر دانيال.
2- لست أدري كيف يطالب د. عبد الغني الراجحي وهو “عميد كلية أصول الدين وهو من يدعو إلى تنقية كتب التفسير من الإسرائيليات” أن يذكر المفسرون نص التوراة التي تشير إليه آيات القرآن ثم يفسرون النص على ضوئه وأن هذا هو منهج البحث السليم الذي يؤدي إلى رأي محكم سديد. إني أعرف مدارس تفسير النص القرآني مثل التفسير بالمأثور والمنقول والتفسير بالرأي، ولكني لست أدري تحت أي مدرسة نضع هذا النوع من التفسير. وهل هذا هو المنهج السديد في تفسير القرآن المجيد.
3- ما هو المقصود بالنبوات التي اقتبسها د. السقا؟
بالطبع لن نناقش هذا تفصيلاً لأن المجال لا يسمح بذلك، ولكن نوجز فنقول:
دانيال 2 رؤيا رآها الملك نبوخذنصر وفيها رأى تمثالاً عظيماً رأسه من ذهب وصدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف، ثم ظهر حجر وخرب التمثال فصار جبلاً وملأ الأرض كلها. وتفسير هذا:
– الرأس من ذهب إشارة إلى مملكة بابل.
– الصدران والذراعان من فضة إشارة إلى مملكة مادي وفارس.
– البطن والفخذان من نحاس إشارة إلى مملكة اليونان.
– الساقان والقدمان من حديد إشارة إلى الدولة الرومانية.
أما الحجر الذي صار جبلاً وملأ الأرض كلها فهنا رأيان:
الأول: أن هذا إشارة إلى ملك المسيح الروحي الذي بدأ عند مجيء المسيح.
الثاني: يقول من يؤمنون بالملك الألفي أن هذا إشارة إلى ملك المسيح على الأرض لمدة ألف سنة.
– دانيال 7: 13 و14 رؤيا دانيال
وبإجماع المفسرين هنا هو المسيح وهو الذي لقب بابن الإنسان وهو وحده الذي سوف تتعبد له كل الشعوب والأمم وتصير الأرض كلها للرب ومسيحه.
– دانيال 8 رؤيا للنبي دانيال وفيها رأى كبشًا له قرنان ينطح شمالاً وجنوبًا وغربًا، ثم ظهر تيس جاء من المغرب وله قرن عظيم فحطم الكبش. وطلع للتيس أربعة قرون ثم خرج قرن صغير وهذا أبطل المحرقة الدائمة وعندما سأل دانيال: “إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة ومعصية الخراب” فقال: “إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس” وقد فسر له الملاك بأن الكبش ذو القرنين إشارة إلى ملوك مادي وفارس والتيس إشارة إلى مملكة اليونان والقرن إشارة إلى الإسكندر الأكبر الذي بعد موته آلت مملكته إلى أربعة من قواده. أما القرن الصغير الذي أبطل المحرقة فهو الملك السوري أنطيوخس أبيفانوس الذي أبطل تقديم الذبائح في الهيكل ودنسه بتقديم ذبيحة من الخنزير وأقام تمثالاً للإله “زيوس” في الهيكل وهذا ما أسماه النبي دانيال “رجسة الخراب”.
و2300 صباح ومساء هي 2300 يوم حقيقي وهي تعادل 6 سنوات و4 شهور وعشرين يومًا، حيث أن السنة في الكتاب المقدس تعادل 360 يومًا وهي الفترة التي حلت فيها الكوارث على الهيكل بدءًا من إبطال المحرقة الدائمة “الذبيحة الصباحية والمسائية” وتدنيس الهيكل حتى تطهيره على يد يهوذا المكاني وإعادة تقديم الذبائح المقدسة مرة أخرى (الفترة من 15 أغسطس 171 ق.م إلى 25 ديسمبر 165 ق.م) ولست أدري على أي أساس يقول السقا 2300 سنة – 333 (وقت كتابة السفر) = 1967م.
وهذه نبوة عن علو إسرائيل للمرة الأولى وهزيمة المسلمين سنة 1967م فمن الممكن طرح أي رقم من تاريخ معين ليعطي لنا ما نريده. فمثلاً أستطيع أن أقول 2300 سنة – 346 (الانتهاء من إنشاء ميناء جديد في سلوقية – بيرية) = 1954 وهذا تاريخ ميلادي أنا.
وأستطيع أن أقول أيضًا 2300 سنة – 312 “سنة وفاة القس لوقيانوس الأنطاكي” = 1988 وهذا تاريخ ميلاد ابني.
أي أن النبي دانيال قد تنبأ بتاريخ ميلادي أنا وابني. ويا لها من دقة عجيبة في تفسير النبوات ويا له من منهج سليم يؤدي إلى تفسير سديد. هذا مثال واضح للربط بين تواريخ ليس لها علاقة ببعضها للوصول إلى الهدف المنشود، وكما فعل د. أحمد حجازي السقا.
– دانيال (9: 24–26) وهذه نبوة تتعلق بالشعب اليهودي ومدينته المقدسة “سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة.
– تاريخ بدء النبوة من الأمر الذي أصدره الملك أرتحشسا سنة 457 ق.م لتجديد أورشليم وبناء على ذلك:
69 أسبوع × 7 سنوات = 483 تبدأ من سنة 457 وتنتهي بسنة 27م عند صلب المسيح ” يُقطع المسيح. أي أن هذه النبوة ليس لها أي علاقة بميلاد محمد أو هجرته كما يرى سيادته.
دانيال (12: 11 و12) “من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب 1290 يوم. ويقول الشيخ السقا:
1290 سنة + 1967 (فساد إسرائيل للمرة الأولى) فيكون المجموع 3257 سنة وهذا تاريخ هزيمة المسلمين للمرة الثانية.
ثم بعد 45 سنة فيكون الناتج 3552 سنة وهو تاريخ انتصار المسلمين. وهذه بشرى لأبو مازن وإسماعيل هنية ربنا يعطيهم العمر الطويل حتى يدركوا هذا النصر المبين على إسرائيل سنة 3552م.
هذه تعليقات موجزة على هذا الموضوع وعلى من يريد الاستزادة أن يرجع إلى تفاسير سفر دانيال عملاً بالمثل القائل “يجب إعطاء الخبز لخبازيه” بدلاً من تفسير النبوات بنظام (سمك لبن تمر هندي).