منوعات

هل إله العهد القديم كاره للنساء؟

لماذا تنادي سارة زوجها بكلمة "سيدي"؟ لماذا تُمنع المرأة من المشاركة في الكهنوت في إسرائيل؟

عندما نبدأ في الحديث عن معاملة النساء في العهد القديم، يبدأ الصخب والضوضاء! يتهم أنصار الحركات النسوية كُتاب العهد القديم بالتصديق على كل أنواع التمييز على أساس النوع، ومناصرة النزعة الأبوية الذكورية (بمعنى أنظمة اجتماعية قمعية تفضل الرجال على النساء)، وحتى كراهية النساء (misogyny)، كما تمثل كراهية النساء إحدى الصفات التي ينسبها “ريتشارد دوكنز” لإله العهد القديم.

لماذا تنادي سارة زوجها بكلمة “سيدي” (تك 18: 12)؟ لماذا نُسبت الفتيات العبرانيات إلى “بيت أبيهن” (راجع لا 22: 13)؟ لماذا تبقى المرأة اليهودية نجسة من الناحية الطقسية لمدة 40 يومًا بعد ولادتها ولدًا و80 يومًا بعد ولادتها بنتًا (لا 12: 2-5)؟ لماذا تُمنع المرأة من المشاركة في الكهنوت في إسرائيل؟ ماذا عن كل هؤلاء المحظيات (السّريات)؟ ماذا عن زواج الأرملة من شقيق زوجها؟ لماذا يسمح الله بتعدد الزوجات؟ هل يصدق العهد القديم على مهر العروس، وهو ما يعزز أيضًا فكرة أن النساء بمثابة مقتنيات أو سلع؟
سنتطرق في هذا المقال إلى المساواة بين الذكر والأنثى في العهد القديم، وسنناقش بعض النصوص التي يُزعَم البعض أنها تشير إلى عكس ذلك.

(تك 1 و2) الوضع المثالي الأول
بالرغم أننا نستوعب شرائع سفر اللاويين وقصص العهد القديم بشأن النساء، فإن (تك1 و2) يقدمان لنا النظرة المثالية للنساء، والتي تختلف اختلافًا كليًا عن أي موقف ساقط منحرف أو مهين. في هذين الإصحاحين، يخلق الله ذكرًا وأنثى على صورته (تك 1: 26 و27). ثم تؤخذ حواء من ضلع آدم (تك 2: 22)، وهي صورة عن المساواة والمشاركة وليس أن أحدهما أرقى والآخر أدنى. والزواج يجب أن يكون شراكة بين طرفين متساويين، والجنس (اتحاد الجسد الواحد) يجب أن يكون للتمتع داخل الحدود الدائمة لزواج يدوم بين اثنين مختلفين في الجنس (تك 2: 24).

وبالرغم أن تكوين 1 و2 يصفان بوضوح الوضع المثالي للمساواة بين الذكر والأنثى، فإن الشرائع الخاصة بالنساء في إسرائيل تتخذ واقعًا يميل نحو المنظومات البشرية الساقطة في منطقة الشرق الأدنى القديم. الله يفعل شيئين في تشريع إسرائيل:
1- يعمل داخل مجتمع ذكوري/ أبوي ليوجه إسرائيل إلى طريق أفضل.

2- يقدم عوامل حماية وموانع كثيرة ضد الإساءات الموجهة للإناث في ظروف هي دون المستوى باعتراف الجميع. هل نرى أمثلة للنساء المقهورات في العهد القديم؟ نعم، ونری أمثلة كثيرة جدًا لرجال مقهورين أيضًا! بكلمات أخرى، لا يجب أن نعتبر الأمثلة السلبية تأييدًا للقهر والإيذاء.

مساواة النساء من زوايا متعددة
إن قراءة العهد القديم تكشف عن سمتين هامتين متوازيتين:
1- وجود أنظمة اجتماعية ذكورية / أبوية في العائلات اليهودية.
2- احترام النساء كمتساويات، ومنهن نخبة من الأمهات الرئيسات والنساء القائدات في إسرائيل.

من ناحية، كانت للآباء مسؤولية شرعية عن عائلاتهم (والتي كثيرًا ما كانت تتكون من خمسة عشر أو عشرين فردًا). تضمنت هذه المسؤولية أمورًا تتعلق بميراث العائلة، وملكية المقتنيات، وترتيبات الزواج لكل من الأبناء والبنات، وصفة المتحدث الرسمي عن أمور العائلة بشكل عام. على سبيل المثال، عندما تأخذ الابنة أو الزوجة تعهدًا، فيجب أن يصدق على هذه الوعود الأب أو الزوج كممثل قانوني للعائلة (عد30)، ومع ذلك فإن هذا يمثل أكثر من مجرد حماية قانونية للزوجة أو الابنة.

إن المواقف والأفكار الاجتماعية لا تزول سريعًا، خاصةً في أماكن مثل الشرق الأدنى القديم. كانت المواقف الذكورية راسخة بقوة في عقلية الشرق الأدنى القديم- وهي مواقف بعيدة كل البعد عن لغة المساواة التي نراها عند بداية الخلق. يؤكد (تك2: 24) علی أن الرجل يجب أن يترك والديه و”يلتصق” بزوجته كشريك مساوٍ له، لكن السقوط أثَّر بشدة على العلاقات بين البشر، ونتيجة لذلك اتبعت سارة عادة الشرق الأدنى القديم وكانت تدعو زوجها “سيدي (أو أدون)” (تك18: 12)، كما أعطت جاريتها هاجر لزوجها إبراهيم لكي ينجب طفلًا (تك16: 3)، وهي ممارسة كانت شائعة في الشرق الأدنى القديم، وفيما بعد “أخذ” الملك أبيمالك سارة كزوجة له (تك20: 2 و3). وعندما أنجبت سارة إسحاق، فإنها ولدت ابنًا لإبراهيم (راجع تك21: 2 و3).

من ناحية أخرى، هذه المواقف الذكورية المترسخة قد شوهت الكثير من التأكيدات الكتابية القوية على كرامة الأنثى ومساواتها مع الذكر. كانت الأمهات الزوجات تستحق الاحترام بالتساوي مع الآباء / الأزواج، وهناك أمهات رئيسات ساهمن في قيادة إسرائيل، وكان لهن نفوذ داخل عائلاتهن. كان الزوج هو الممثل القانوني للعائلة اليهودية، لكن لا يجب أن نفترض من هذا أن النساء اعتبرن هذا ممارسة قمعية. في الواقع، كانت الزوجات في كثير من زيجات العهد القديم تتمتع بالمساواة والنفوذ في زيجاتهن (راجع أم 31).

في الواقع، هناك نصوص كثيرة تتحدث أكثر عن حماية ورعاية الطبقات التي تتعرض للاستغلال، وخاصةً الأرامل والمطلقات. الله مهتم بإنصاف الأرامل والطبقات الأخرى الضعيفة في المجتمع مثل الأيتام والأجانب غير اليهود والمتغربين. وقد حذَّر الله بشدة مَنْ يفكرون في الظلم بأنه سيقف في صف الضعفاء والذين هم بلا حماية (خ 22: 22؛ تث10: 18؛ 14: 19؛ 24: 17، 19؛ الخ).

الآن قد يختلف أنصار الحركيات النسوية مع الإدعاء بأن النساء / الزوجات كن متساويات في الكرامة والإنسانية مع الرجال الأزواج. دعنا نتعرض لهذه النقطة. نعم، أثَّرت الأنظمة الأبوية بقوة على عقلية المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، نرى تأكيدات لا يمكن إنكارها عن المساواة في العهد القديم من منظور لاهوتي وتاريخي وتشريعي.

المنظور اللاهوتي: مساواة المرأة أمر مُسلَّم به
(تك1: 27) “خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم.”
(تك2: 24) “لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا.”
(انظر أيضًا: خر 20: 12؛ لا 19: 3؛ أم 6: 20؛ 18: 22؛ 19: 26؛ 23: 22؛ نش 6: 3).
عندما تأتي إلى (تك2: 18)، حيث وُصِفت زوجة آدم بأنها “معين (ezer)” نظير، يجب أن نتذكر أن هذه الكلمة لا تشير إلى الدونية، بل على العكس هي تُستخدم لوصف الله نفسه في مواضع أخرى في الأسفار المقدسة (مز10: 14؛ 30: 10؛ 54: 4). يمكننا أن نذكر نصوصًا أكثر عن هذه الجوانب اللاهوتية، لكن الفكرة وضحت بما يكفي.

المنظور التاريخي: النساء مارسن قدرًا هائلًا من التأثير
يزخر العهد القديم بأمهات رئيسات ذوات نفوذ ومحل تقدير عالٍ مارسن قدرًا هائلًا من التأثير. وشهادة كتبة العهد القديم تكشف منظورًا من الصعب أن نصفه بكراهية المرأة. تأمل القائمة التالية على سبيل المثال وليس الحصر: سارة، وهاجر، ورفقة، وراحيل، وليئة، وثامار (كلهن في سفر التكوين)، وأيضًا القابلتان العبرانيتان: شفرة وفوعة (خر1)، والأميرة المصرية (ابنة فرعون) (خر2)، ومريم وبنات يثرون السبع ومنهن صفورة زوجة موسي (خر2، 4، 15)، وبنات صلفحاد (عد 27)، ودبورة، وراعوث، ونعمي وأبيجايل، وبثشبع (قض 4 و5؛ را 1-4؛ 1 صم 25؛ 1 مل 1 و2). ودعنا لا ننسى المرأة الفاضلة في (أم31). كانت هؤلاء النساء القويات تقود المشهد وتمارس نفوذًا بجوار أقوى الرجال في زمانهن.

المنظور التشريعي: الشرائع تنطبق على الرجال والنساء
الشرائع الأخلاقية والطقسية لإسرائيل سلَّمت بأن النساء لسن فقط متساويات لكنهن يتحملن مسؤولية أخلاقية مع الرجال. يقول أحد الكُتاب إن منظومة شرائع التطهير الطقسي في إسرائيل “غير متحيزة في معاملتها للنوع”. البعض قد يحتج بالنجاسة الطقسية للحيض، والتي تؤثر على النساء وليس الرجال بشكل واضح. ولكن كما سنرى، كانت للرجال أمور خاصة بهم! وشرائع التطهير تتعرض لهذه الأمور أيضًا (راجع لا 15: 18-18، 32؛ 22: 4؛ تث 32: 10).

الجوانب الأخلاقية – وليس الطقسية فقط – من شرائع اللاويين التي تتعلق بالزنا وسفاح المحارم (مثل لا 18، 20) تنطبق على الرجال والنساء دون تفرقة. في الواقع، هؤلاء الذين يدعون بأن ارتكاب الزنا مع زوجة القريب في إسرائيل يشبه “التعدي على الممتلكات” ليسوا على صواب. طُبِّق الحكم بالموت على كل من الرجل والمرأة عند ارتكاب الزنا، ولكن، على عكس شريعة حمورابي مثلًا، لا تشترط شريعة العهد القديم أبدًا عقوبة الموت في حالة الاعتداء على الممتلكات.

النصوص التي يزعمون أنها تروِّج لدونية المرأة
حكم القضاء في الغيرة: سفر (العدد 5)
دعنا نلخص الفكرة العامة لهذا النص. إذا شك رجل في ارتكاب زوجته للزنا، يمكن أن يحضرها أمام الكاهن ويتهمها. في هذه الحالة، لا يتوفر شاهدان أو ثلاثة (تث :17 7 و9)، وكان “الشاهد” الوحيد هو شكوك الزوج بأن زوجته كانت تخونه. يعترض النقاد ويصفون هذا بالاختبار المرعب. كانت بطن الزوجة الخائنة تنتفخ وتنكمش حقويها بعد أن تشرب “ماء اللعنة المر”. يثير النقاد السؤال التالي: “لماذا لم يكن متاحًا للمرأة أن تحضر زوجها أمام الكاهن إذا شكت أنه يخونها؟”

كما يتضح، اختار النقاد نصًا فقيرًا ليضربوا به مثلًا عن قهر النساء. من ناحية، تأمل السياق الذي يمدنا بالأسباب الكافية التي تجعلنا نظن أن هذه الشريعة كانت تنطبق على الرجال أيضًا. بعد وقبل هذا النص، يقصد التشريع كل من الرجال والنساء: “أوصِ بني إسرائيل” (عد 5: 2)، “قل لبني إسرائيل” (عد 5: 6)، “كلم بني إسرائيل” (عد 6: 2). لم يكن من حق الزوج فقط أن يطلب هذه المحاكمة الخاصة، بل كان في استطاعة الزوجة أيضًا أن تفعل ذلك.

من ناحية أخرى، هذه المحكمة الكهنوتية كانت بالفعل لحماية النساء والدفاع عنهن، وليس لإذلالهن أمام أزواجهن المتغطرسين أو أمام الحشود المتحيزة. هذه الشريعة كانت تحمي النساء من غضب الزوج العنيف والتهديد الاعتباطي بأن يطلقها ويتخلص من زوجته بأدنى تكلفة. وإذا اتضح أن الزوجة مذنبة، فإنها تستحق أن تُفزع بعلامة معجزية تؤثر على جسدها. في الواقع، كما في موت حنانيا وسفيرة في الكنيسة الأولى (أع 5)، كان لدى بنو إسرائيل تحذيرًا مهيبًا يتعلق بموقف الله من الزنا.

لماذا تبقى المرأة اليهودية نجسة من الناحية الطقسية لمدة 40 يومًا بعد ولادتها ولدًا و80 يومًا بعد ولادتها بنتًا
البعض يدعي أن هذا النص يتضمن الانتقاص من قيمة الأنثى: المرأة نجسة من الناحية الطقسية لمدة 40 يومًا (7 + 33 يومًا) بعد ولادة صبي و80 يومًا (14+ 66 يومًا) بعد ولادة صبية. من المؤكد أن هذا يوضح مكانة اجتماعية أدني للإناث. مرة أخرى، ليس بهذه السرعة! هناك تفسيرات معقولة عديدة قدمها بعض الدارسين يؤكدون فيها أن الأيام الأكثر في حالة ولادة الأنثى تشير بالفعل إلى نوع من الحماية للإناث، وليس علامة على مكانتهن المتدنية، والبعض الآخر يشير إلى أن الدافع قد يكون للحفاظ على تميز الديانة اليهودية عن الديانة الكنعانية، حيث تشترك الإناث في طقوس جنسية كجزء من العبادة في معابدهم.

بشكل عام، الاعتزال الأطول للأم اليهودية عن الخيمة (أو الهيكل) بعد ولادة صبية يؤكد علی فكرة لاهوتية وأخلاقية. في ظل تعدد الآلهة في الشرق الأدنى القديم، كان التركيز الأكبر على طقوس الخصوبة، والدعارة في العبادة، والتمثيل الدرامي لولادة الآلهة والإلهات. والفترة الفاصلة بين الولادة وعبادة الهيكل – خاصةً مع ولادة البنات – كانت تُراعی باهتمام.
هناك تفسير آخر مقبول يركز على المصدر الطبيعي للنجاسة – أعني تدفق الدم. آية رقم 5 تشير إلى السبب: بسبب “دم تطهيرها”. تمر الأم بنزيف مهبلي عند الولادة، لكن مثل هذا النزيف المهبلي شائع جدًا في الصبايا المولودات حديثًا أيضًا، بسبب تراجع هرمون الإستروجين لدى الأم عندما يخرج الجنين الأنثوي من رحم الأم. ومن ثَمَّ لدينا سببان للنجاسة الطقسية مع ولادة صبية وسبب واحد في حالة ولادة صبي.

لاحظ أيضًا أنه عندما ينتهي زمن التطهير، سواء “لأجل ابن أو ابنة”، يكون على الأم أن تقدم نفس التقدمة (سواء خروف، أو فرخ حمام، أو يمام). هكذا تكون ذبيحة التطهير (لا 12: 6) – وهي ليست ذبيحة خطية، والغرض منها هو أن تزيل النجاسة الطقسية وليس النجاسة الأخلاقية.

زواج السلفة (levirate marriage): (تث 20: 5-10)
إذا مات رجل بدون ولد يحمل اسم العائلة، فإن أخاه غير المتزوج يمكن أن يتزوج أرملة أخيه لكي يستمر اسم العائلة. من الناحية التشريعية، فإن الابن البكر من هذه الزيجة يُحسب رسميًا كابن للزوج المتوفي. ولأن الزوج الأول قد توفي، فهذا لا يُعتبر سفاحًا (علاقة جنسية مع أحد الأقارب). كلمة “Levirate” تأتي من الكلمة اللاتينية “Levir” والتي تعني “أخا الزوج” أو “brother-in-law”. هذا التشريع يبدو غريبًا للآذان المعاصرة، وقطعًا يعكس الخلفية الذكورية أو الأبوية القديمة. كانت هناك ممارسة مماثلة عند الحيثيين، وكانت شريعتهم تذكر أنه إذا كانت للرجل زوجة ثم مات فلابد لأخيه أن يتخذ من الأرملة زوجة له.

وبالرغم أن مثل هذا الزواج يعبِّر بوضوح عن نظام ذكوري، فإن هناك بعض الأمور التي يجب أن نتذكرها جيدًا. أولًا، إذا تزوجت الأرملة أخا زوجها المتوفي، فهذا يساعدها على الاحتفاظ بممتلكاتها (التي ربما أحضرتها معها في زواجها داخل العائلة)؛ الزواج خارج العائلة كان يعني المخاطرة بفقدان هذه الممتلكات. بالرغم أن الرجل قد يرفض، فقد كان هذا أمرًا مستنكرًا، وإذا رفض الإذعان، فإن الأرملة بنفسها يمكن أن تمارس دورها وحقوقها في طقس خلع النعل المشين، ولذا كانت الأرملة ميزة طبيعية في هذا التشريع.
عندما كان البشر يسعون لتغيير المنظومات الاجتماعية في ضوء حكمة أخلاقية أعمق وتصميم على التحرك نحو الوضع المثالي، فإننا نشهد تعديلًا لمنظومات الشرق الأدنى القديم. وحتى في وقت مبكر في العهد القديم، وُجِدت بعض القصص التي تضرب بشكل غير مباشر في شريعة البكورية. كان الأصغر يتفوق على الأكبر: هابيل تفوق على قايين؛ إسحاق على إسماعيل؛ يعقوب على عيسو؛ يوسف على رأوبين. هذه العينات الكتابية تكشف عن قيمة معكوسة وأكثر ديمقراطية، وحتى إن لم تكن مثالية، فإنها تعبِّر عن ارتقاء هائل مقارنةً بالشرائع الأخرى للشرق الأدنى القديم.

لماذا لا توجد كاهنات من الإناث؟
لماذا لم تستطع النساء المشاركة في الكهنوت؟ ولماذا اقتصر هذا الأمر كله على الذكور؟ الكثير من النقاد يعترضون على هذا المعسكر الديني الذي يقتصر على الذكور. ولكن إذا فكرت في الأمر، فإن معظم ذكور بني إسرائيل كانوا مستبعدين أيضًا! كان يجب أن يكون الكهنة من سبط لاوي ومن نسل هارون فقط. وبالتالي لم يُسمح للذكور الآخرين من بني إسرائيل أن يصيروا كهنة.

ولكن لا يبدو الأمر أن العهد القديم يضع الإناث والكهنوت تلقائيًا في تصنيفين متقابلين. يتحدث الكتاب المقدس كثيرًا عن كهنة من الإناث. بالرجوع إلى سفر التكوين، نجد أنه كان لحواء دور كهنوتي في جنة عدن. يرى الدارسون للكتاب المقدس هذا المكان كمقدس يرمز إلى خيمة الاجتماع (قارن تك 2: 12). وكان كل من آدم وحواء يؤديان واجبات کهنوتية في عبادة الله وخدمته، إذ كان الله يمشي ويتحدث معهما (تك 2: 10؛ 3: 8).

فيما بعد، امتد الكهنوت ليشمل أمة إسرائيل كلها – ذكورًا وإناثًا. كان الله يرغب في أن يقترب إليه كل بني إسرائيل کـ “مملكة كهنة” (خر 19: 6). ومع ذلك، فقد رفضوا الصعود إلى الجبل، ولذا ذهب موسی نيابةً عنهم (20: 19، 21). ونتيجة لذلك، تأسس كهنوت رسمي يقتصر على الذكور ليعمل داخل منظومة الخيمة أو الهيكل.

لذا فإن وجود كهنة من الإناث لم يمثل مشكلة في حد ذاته ولم يكن متعارضًا مع الكتاب المقدس. بالفعل، يؤكد العهد الجديد على هذا: بموت المسيح وقيامته، تشكلت الكنيسة – إسرائيل الجديد. وهي تمثل كهنوتا مقدسًا ومملكة كهنة يقدمون ذبائح روحية الله (1 بط 2: 5، 9؛ رؤ 1: 6؛ 5: 10؛ 20: 6).

لماذا إذًا لم توجد إناث في الخيمة أو هيكل العهد القديم؟ السبب في هذا هو الامتناع عن تلويث العبادة النقية في إسرائيل. في ديانات الشرق الأدنى القديم، كان الآلهة (والإلهات) أنفسهم يشتركون في أفعال جنسية بشعة، وكانوا يشتركون في جريمة السفاح (مثلًا: البعل مع أخته عنات)، وكانوا يمارسون الجنس مع الحيوانات (فمثلًا كان بعل يمارس الجنس مع عجلة ولدت ابنًا)، وكانوا يشتركون في عربدة وإغواءات جنسية كثيرة. كل هذا بدون ذرة من التبكيت!

عادةً ما تضمنت ديانات الشرق الأدنى القديم طقوسًا تعبدية للخصوبة، وعبادة الإلهة المؤنثة، وكاهنات عملن كزوجات للآلهة، كما انتشرت عاهرات المعابد، وكان الفسوق الأخلاقي يمارَس باسم الدين، وكانت ممارسة الجنس مع کاهنة المعبد تعني اتحادًا مع الإلهة المؤنثة التي يتعبدون لها. في الواقع، كانت ممارسة الجنس مع عاهرة المعبد تشجِّع وتحفِّز الإله بعل وخليلته “عشيرة” على ممارسة الجنس في السماء، وهو ما كان يؤدي إلى الخصوبة في كل شيء: أطفال أكثر، ماشية أكثر، محاصيل أكثر. كان الجنس يؤلَّه في كنعان وفي ثقافات أخرى في الشرق الأدنى القديم، وكان الزنا مقبولًا طالما كان طقسًا “دينيًا”. إذا كنا نصير ما نعبده، فلیس من الغريب أن تصبح الديانة الكنعانية والمجتمع الكنعاني فاسدًا بـ “الجنس المقدس”. ولهذا تم تحريم وجود عاهرات المعابد الكنعانية من الذكور والإناث (قارن تك 38: 15، 22-30؛ تث 23: 18 و19؛ وأيضًا هو 4: 14)، وبالتالي لم يكن مسموحًا لشعب إسرائيل بأن يحاكي الأمم الذين تشترك آلهتهم في الإباحية الجنسية.

هل كانت هذه الأديان متسامحة؟ نعم، متسامحة في كل الأمور الخطأ! من الآلهة فما دون، كان يُسمح بكل الانحرافات الجنسية، وهذا ما أدى إلى تدمير المجتمع والعائلة. في الواقع سمحت شرائع الشرق الأدنى القديم بأنشطة تزعزع من استقرار العائلة وسلامتها. على سبيل المثال، كان يُسمح للرجال بأن ينخرطوا في علاقات جنسية مع الخادمات والعاهرات.

كانت شرائع لبت عشتار (Lipit-Ishtar) في منطقة ما بين النهرين السفلية (1930 ق. م) تعتبر ممارسة الدعارة أمرًا مُسلَّمًا به. وفي شريعة الحيثيين (1950-1500 ق. م)، نجد أنه: “إذا أضجع أب وابنه مع نفس العبدة أو العاهرة، فلا جريمة في هذا.” وكانت شريعة الحيثيين تسمح بممارسة الجنس مع البهائم: “إذا أقام رجل علاقة جنسية سواء مع حصان أو بغلة، فلا جريمة في هذا.” وفي المقابل، سعت شريعة موسى إلى منع بني إسرائيل من تمجيد الزنا (وبالأخص) باسم العبادة الدينية. وبالتالي ساعد اقتصار الكهنوت على الذكور على خلق نوع من التميز الديني كما حافظ على قدسية الزواج. لم يكن هذا تحقيرًا للمرأة، بل كان مسألة تتعلق بالحفاظ على النقاء الديني وقدسية الجنس داخل الزواج.

ضع في الاعتبار أن كهنة إسرائيل كانوا ينفذون ثلاثة أنواع من الواجبات:
1- واجب تعليمي وقضائي وإداري.
2- واجب نبوي (مثل تمييز مشيئة الله من خلال القرعة المعروفة بالأوريم والتميم).
3- واجب تعبدي (طقوس ومراسم دينية).

في إسرائيل في العهد القديم، قامت نساء مثل مریم (خر15: 20)، ودبورة (قض 4 و5، خاصةً 4: 4)، وخلدة (2 مل 22: 14) بالدورين الأولين كمعلمات وقاضيات ونبيات. وحُرِّمت المنطقة الثالثة على النساء – وعلى معظم الذكور الآخرين. في الواقع، حتى ملوك إسرائيل لم يستطيعوا القيام بواجبات تعبدية متعددة (2 أخ 26: 16-21). وبالتالي، بالرغم من ترسخ العقلية الذكورية / الأبوية في المواقف اليهودية، فإن هذا لم يكن السبب الذي منع النساء من تقلد الكهنوت، لكن الأمر تعلق بهوية ديانة إسرائيل وثباتها الأخلاقي. يمكننا التطرق أكثر لهذا الأمر، لكنني أرجو أن تساعد هذه الردود على حجج النقاد في وضع النصوص في سياقاتها الصحيحة وأن تهدأ المشاكسات أيضًا.

بول كوبان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى