“نحن نعيش فى عالم من القلق”، هكذا وصف تقرير التنمية البشرية 2021/2022 الواقع الذى نعيشه، فيشكل مستقبلنا فى عالمنا المتحول أوقاتًا مضطربة، وحياة غير مستقرة، بدأتها جائحة كورونا وما زالت مستمرة فى إزعاج استقرار العالم، وتعطله عن ركب تحقيق التنمية البشرية بكل بلدان العالم تقريبًا. ولأول مرة على الإطلاق، انخفضت قيمة مؤشر التنمية البشرية العالمى (HDI) لمدة عامين على التوالي؛ إذ تسجل 9 من كل 10 بلدان تراجعًا فى التنمية البشرية.
وذكرت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات أن حالة عدم اليقين التى نعيشها الآن ليست بالجديدة فى تاريخ البشرية، إلا أن أبعادها لم تتخذ هذا الشكل من التعقد والتشابك من قبل؛ فبخلاف وباء كورونا الذى ما زال يحاصرنا موجة تلو الأخرى، نيران تأجج الصراعات باتت تتناقل بين مختلف دول العالم وآخرها الأزمة الروسية الأوكرانية، هذا إلى جانب المعاناة الإنسانية الناتجة عن الكوارث الطبيعية -كارتفاع درجات الحرارة، والحرائق، والعواصف، والفيضانات- التى تحيط بنا ونستشعر أثرها على حياتنا اليومية، واستمرارها يهدد استقرارنا البشرى والتنموى.
منهجية تقرير التنمية البشرية العالمي
يصدر تقرير التنمية البشرية العالمى عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى منذ عام 1990. وعلى مر السنين، تم إجراء بعض التعديلات والتحسينات على المؤشر. ووفقًا للتقرير، تتعلق التنمية البشرية بتوسيع ثراء الحياة البشرية، وليس مجرد ثراء الاقتصاد الذى يعيش فيه البشر؛ فهو نهج يركز على الأشخاص وفرصهم وخياراتهم. ويعد أحد أهم إنجازات نهج التنمية البشرية الذى تم اعتماده بالتقرير هو قبول حقيقة أن التدابير النقدية، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، ليست مقاربات كافية للتنمية.
وتركز التنمية البشرية على تحسين حياة الناس بدلًا من افتراض أن النمو الاقتصادى سيؤدى تلقائيًا إلى رفاهية أكبر للجميع. حيث يُنظر إلى نمو الدخل على أنه وسيلة للتنمية وليس غاية فى حد ذاته. ويعتقد التقرير أن هناك ثلاثة أسس للتنمية البشرية وهي: أن تعيش حياة طويلة وصحية وخلاقة، وأن تكون على دراية ومعرفة، وأن تحصل على الموارد اللازمة لمستوى معيشى لائق. وبمجرد تحقيق أساسيات التنمية البشرية، فإنها تفتح فرصًا للتقدم فى جوانب أخرى من الحياة.
وصدر تقرير التنمية البشرية لعام 2021/2022، فى 8 سبتمبر الجارى تحت عنوان “أوقات غير مؤكدة، وحياة غير مستقرة: تشكل مستقبلنا فى عالم متحول” وهو الدفعة الثالثة والأخيرة فى ثلاثية من التقارير بما فى ذلك تقرير 2019 حول عدم المساواة وتقرير 2020 حول مخاطر الأنثروبوسين (مصطلح الأنثروبوسين هو لتوضيح مدى تأثير التراكم السريع للغازات الدفيئة على المناخ والتنوع البيولوجى، بالإضافة إلى الضرر الدائم الناجم عن الإفراط فى استهلاك الموارد الطبيعية). ويفحص التقرير القادم كيف أن عدم المساواة وعدم اليقين يعززان بعضهما البعض لدفع الاستقطاب وتقويض إحساسنا بالسيطرة على حياتنا، فأكد أن ستة من كل سبعة أشخاص على مستوى العالم أبلغوا عن شعورهم بعدم الأمان، حتى قبل انتشار جائحة COVID-19.
ويعكس التقرير بشكل كلى أن التنمية هى توازن بين الاقتصاد ومكونات رأس المال البشرى. ويقوم المؤشر على عدة محاور فرعية مثل: الصحة، والتعليم، والدخل وتكوين الموارد، وعدم المساواة، والنوع، والفقر، والعمل والتوظيف، والاستدامة البيئية.
وعن واقع وضع مصر بتقرير التنمية البشرية، فقد اتخذ أداء مصر اتجاهًا تصاعديًا نسبيًا منذ انطلاق إعداد التقرير عام 1990، حتى الآن، تبلغ قيمة دليل التنمية البشرية لمصر لهذا العام 0.731 -مما يثبت وضع البلاد فى فئة التنمية البشرية العالية- مما يضعها فى المركز 97 من أصل 191 دولة وإقليم، لتتقدم مصر بنحو 19 مركزًا فى مؤشر التنمية البشرية، فاحتلت مصر المركز 116 عام 2020، بالرغم من تراجع قيمة المؤشر عالميًا لعامين متتاليين، لتحتل مصر بذلك المرتبة الثامنة بين 20 دولة عربية – التى تنتمى إليها بين التصنيفات الداخلية للتقرير، فيما تتذيل اليمن قائمة الدول العربية بالترتيب 183 عالميًا، بينما تصدرت الامارات العربية قائمة الدول العربية لتحتل المركز 26 بين دول العالم.
فتنفرد مصر بمبادرة رئيس الجمهورية 100 مليون صحة، للرصد المبكر وعلاج الأمراض المزمنة والوراثية لكل فئات الشعب المصرى، تلك المبادرة التى تقع تحتها عشرات المبادرات الصحية للكشف والعلاج المجانى لكل الفئات بداية من الجنين فى بطن الأم إلى مبادرة الرعاية الصحية لكبار السن.
فقد شملت مبادرة للكشف عن فيروس سى والأمراض غير السارية، فى الفترة من أكتوبر 2018 إلى أبريل 2019، ساهمت فى خفض معدل الإصابات الجديدة بالفيروس بأكثر من 92% سنويًا، وتم فحص أكثر من 60 مليون مواطن على مستوى الجمهورية.
ومن المبادرات المتضمنة أيضًا؛ مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار للتدخلات الحرجة فى يوليو 2018؛ بهدف تقليل مدة الانتظار لإجراء التدخلات الجراحية وتخفيف العبء المادى عن كاهل المرضى، وذلك بتكلفة إجمالية 6.2 مليار جنيه حتى الآن، حيث تم تسجيل 1.4 مليون مواطن على المنظومة وعلاج 1.2 مليون مواطن. وتم فحص 29.2 مليون مواطن وتقديم العلاج اللازم ضمن مبادرة علاج الأمراض المزمنة والكشف المبكر عن الاعتلال الكلوى، والتى تم إطلاقها فى يونيو 2020.
أما عن المبادرات الموجهة لرعاية المرأة وحديثى الولادة، فتم إطلاق مبادرة الكشف المبكر عن أورام الثدى والأمراض غير السارية والصحة الإنجابية للسيدات، فضلًا عن تقديم العلاج بأحدث بروتوكولات العلاج العالمية بالمجان، لتبلغ تكلفة المبادرة 602.9 مليون جنيه حتى يونيو 2022، وتم فحص 24.6 مليون سيدة بداية من سن الـ 18 عامًا حتى الآن. وتم إطلاق مبادرة لدعم صحة الأم والجنين، فى مارس 2020، بتكلفة 55.5 مليون جنيه، وقد تم فحص1.48 مليون سيدة من أصل 1.5 مليون سيدة مستهدفة.
وفى نفس السياق، تم إطلاق مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثى الولادة فى يوليو 2021؛ بهدف الوصول إلى جيل صحى وخالٍ من مسببات الإعاقة عن طريق الكشف عن 19 مرضًا وراثيًا لدى حديثى الولادة فى المرحلة الأولى، وقد تم فحص 113.1 ألف طفل ضمن المبادرة وعلاجهم بالمجان.
هذا بخلاف جهود إطلاق المبادرة الرئاسية للاكتشاف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع لحديثى الولادة فى سبتمبر2019، حيث تم إجراء المسح السمعى لـ 3 ملايين طفل من حديث الولادة وتحويل 18.9 ألف طفل للتقييم الأعلى سواء لبدء العلاج الطبى أو تركيب سماعة، أو تحويل الطفل لإجراء عملية زراعة القوقعة لمن تحتاج حالته، وذلك بتكلفة 245 مليون جنيه حتى يونيو الماضى.
هذا إلى جانب مبادرات علاج الأطفال أكبر من عامين وطلاب المدارس والبالغين، ومرضى الضمور العضلى الشوكى، والتى تصل تكلفة العلاج للطفل الواحد 2.1مليون دولار، ومبادرة الكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم، ومكافحة مسببات ضعف وفقدان الإبصار (نور حياة).
فيما تم تقديم الخدمة الطبية لـ 338.3 ألف مواطن من خلال برنامج “الرعاية الصحية لكبار السن”، والذى يستهدف تقديم الرعاية الصحية بالمجان للأشخاص من عمر 65 عامًا فأكثر، ويتم تقديم الخدمات للمسنين من خلال 401 مركز طبى موزعين على جميع الإدارات الصحية بـ 21 محافظة، كمرحلة أولى.
وشملت جهود الدولة كذلك زيادة وتطوير المنشآت الصحية؛ فقد بلغ عدد وحدات ومراكز الرعاية الأولية 5421 وحدة ومركزًا عام 2022، مقابل 4607 وحدات ومراكز عام 2014 بنسبة زيادة 17.7%، بالإضافة إلى وصول عدد مراكز الغسيل الكلوى إلى 753 مركزًا عام 2022، مقارنة بـ 342 مركزًا عام 2014 بنسبة زيادة 120.2%. وتم وجار تنفيذ 1139 مشروعًا بتكلفة 27.6 مليار جنيه، لإنشاء وتطوير ورفع كفاءة المستشفيات منذ 2014، فضلًا عن تقديم الخدمات الطبية والوقائية للمواطنين من خلال أكثر من 2000 مستشفى تابعة لمختلف الجهات بالدولة. وتم تدريب ما يقرب من 100ألف ممرض وممرضة فى السنوات السبع الماضية بمختلف التخصصات.