منوعات

هل المعجزات ممكنة؟

“هل تصدق فعلًا أن يونان بلعه حوت؟ وهل تعتقد حقًا أن المسيح أطعم خمسة آلاف شخص بخمس خبزات وسمكتين؟” هذه هي النغمة السائدة في الكثير من الأسئلة المعاصرة. وبالتأكيد فإن هذه الأسئلة كثيرًا ما تزيد على ذلك بأن تؤكد أن قصص “المعجزات” في الكتاب المقدس حتمًا ليست أكثر من مجرد طرق جذابة لنقل حقيقة روحية وليس المقصود منها أن يتم فهمها بمعناها الحرفي.

كما هو الحال مع كل الأسئلة التي تدور بأذهاننا عن الله وعن وجوده، فإن نقطة البداية هي أن نميز الجذور، أي القضية العميقة التي تكمن وراء هذه الأسئلة، وإلا فإننا سنتوه في مناقشة الفروع وننسى الجذر العميق للقضية. وهذا ينطبق بشكل خاص على فهمنا للمعجزات. فليس ما يهم هو إمكانية حدوث معجزة بعينها، ولكن المهم هو المبدأ الكلي للمعجزات. ومحاولة التثبت من مصداقية إحدى المعجزات بعينها لن تساعدنا في الوصول إلى الجذور لأن العقدة تكمن في إمكانية حدوث المعجزات بشكل إجمالي.

ما هي المعجزة؟

المعجزة كلمة تستخدم بمعاني فضفاضة في وقتنا الحاضر. فإذا نجح طالب مرتعب في اجتياز امتحان، فإنه يقول: “لقد كانت معجزة!” أو إذا قام رحالة عجوز برحلة طويلة عبر القارات، نقول: “إنها معجزة!” إننا نستخدم هذا المصطلح لنعني أي شيء غير عادي أو غير متوقع. ولسنا نقصد بالضرورة أن يد الله كانت تعمل في هذا الأمر.

لكن المعجزات، كما يقول الكتاب المقدس، هي أعمال الله. وهذا معنى مختلف تمامًا عما نستخدمه في حديثنا الشائع، إذ يشير الاستخدام الكتابي إلى عمل إلهي يخترق ويغيِّر أو يعترض المسار الطبيعي للأمور.

يسجل الكتاب المقدس أنواع عديدة من المعجزات، والبعض منها قد يكون له تفسير طبيعي. على سبيل المثال، يخبرنا سفر الخروج 14 أن الله صنع طريقًا عبر البحر الأحمر لمساعدة بني إسرائيل على الهروب من العبودية في مصر. وقد اعتقد البعض أن البحر انشق بشكل طبيعي نتيجة لرياح عالية جعلت المياه تتراجع للخلف. وربما حدث هذا بمعزل عن تدخل الله، ولكن الجزئية المعجزية في القصة هي في التوقيت. فهنا هبت الرياح العاتية في اللحظة التي اقترب منها بنو إسرائيل من الشاطئ بينما تطاردهم مركبات فرعون. ثم بعد أن عبر بأمان جميع بني إسرائيل إلى الجهة المقابلة إذ بالرياح العاتية تصمت تمامًا وتدع مياه البحر تفرِّق جيش فرعون وتمنعهم من مواصلة مطاردتهم لبني إسرائيل. هنا التوقيت هو الدليل على التدخل المعجزي لله.

من جهة أخرى، هناك العديد من المعجزات التي لا يظهر لها أي تفسير طبيعي، فقيامة لعازر من الأموات وقيامة المسيح يسوع نفسه كلتاهما تتضمنان قوات لا نعلمها وخارج نطاق ما يسمى قانون الطبيعة. ونفس الأمر ينطبق على العديد من المعجزات الشفائية للرب يسوع.

ربما تغوينا فكرة تفسير هذه المعجزات على أنها استجابة نفس-جسدية، ولكن المعجزات الشفائية ليسوع بالتأكيد كانت خارج نطاق هذا التصنيف. فلنأخذ على سبيل المثال شفاء المصابين بالبرص. إن من الواضح أن هؤلاء الأشخاص لم يكن لديهم أي أساس نفس-جسدي، لأن هذا المرض ينجم عن غزو بكتيري للجسم. لقد اختبر مرضى البرص الذين نالوا الشفاء قوة مباشرة من الله. وكذلك توجد حالات من المرضى بأمراض خلقية نالوا الشفاء، إذ من غير الممكن أن يستند شفاء الرجل المولود أعمى على أساس نفس-جسدي (يو 9).

وهناك فكرة أخرى كثيرًا ما يتم طرحها وهي تنادي بأن هؤلاء الأشخاص في الأزمنة القديمة كانوا يتصفون بالجهل والسذاجة والتفكير الخرافي المفرط، وبلا شك فقد اعتقدوا بأن الكثير من الأشياء معجزات ولكننا الآن نعرف أنها لم تكن معجزات على الإطلاق بل ببساطة ظاهرة لم يتمكنوا هم من فهمها. لقد اتسع فهمنا بشكل هائل والفضل في ذلك يعود إلى مزايا العلم الحديث. فمثلًا، لو أتيح لنا أن نطير بطائرة صغيرة فوق قبيلة بدائية اليوم، فربما سيسقطون على الأرض ويسجدون لهذا الإله الطائر الفضي الذي جاء من السماء، وسيعتقدون أن المشهد الذي شاهدوه شيئًا معجزي، لكننا سنكون عارفين أن الطائرة ببساطة مجرد نتيجة لتطبيق مبادئ الديناميكا الهوائية، ولا شيء معجزي في هذا على الإطلاق.

في حالة الرجل الأعمى، كانت هناك نظرة واقعية لحالته. لقد لاحظ الناس أنه منذ قديم الأزل لم يُعرف أن رجلًا مولودًا أعمى صار يبصر. ونحن ليس لدينا أي تفسير طبيعي إضافي لمعجزة شفاء يسوع له أكثر مما كان متاحًا لهم معرفته. ومَنْ اليوم لديه تفسير طبيعي إضافي لقيامة يسوع من بين الأموات أكثر مما كان متاحًا عند حدوث هذه المعجزة؟ لا أحد، فنحن لا نستطيع ببساطة أن نتخلص من المعالم الخارقة لما يسجله لنا الكتاب المقدس من معجزات.

هل الله محدود في قانون الطبيعة؟

هنا يعود السؤال ليكون: “هل يوجد إله كلي القدرة وخالق للكون؟” إذا كان موجودًا، فإن مشكلتنا مع المعجزات ستكون أقل كثيرًا، لأنه في هذه الحالة فإن الله يتسامى على قانون الطبيعة الذي هو واضعه. ومراجعة منظورنا الأساسي عن الله، بأنه هو الإله الحي والفعال وكلي القدرة والمعتني، سوف تساعدنا في تفكيرنا عن المعجزات.

الفيلسوف دافيد هيوم قدم تعريفًا للمعجزة باعتبارها انتهاكًا لقانون الطبيعة. غير أن مثل هذا الموقف تحديدًا يؤله قانون الطبيعة، فهذا الموقف يعظم من شأن قانون الطبيعة بطريقة تُصيِّر الله أسيرًا لقانون الطبيعة، وبالتالي يتوقف عن كونه إلهًا.

في هذا العصر العلمي الحديث، من الشائع أن يتم تشخيص العلم وقانون الطبيعة. وهذا ينحرف بنا عن حقيقة أن هذه القوانين ليست سوى نتائج غير شخصانية لملاحظاتنا، بل أنه حتى يجعل أحيانًا من قوانين الطبيعة شيئًا أشبه بالإله في حد ذاتها. لكن المسيحي يرى أن قانون الطبيعة يسير بحسب قانون السبب والنتيجة القابل للملاحظة، والذي يمكن ملاحظته في كل وقت. وفي الوقت ذاته، لا يحد الكتاب المقدس من حق الله وقدرته على التدخل وقتما وكيفما يختار هو، فالله خارج وفوق ومحيط بقانون الطبيعة، وهو غير مقيد به.

لا تسبب قوانين الطبيعة أي شيء بالكيفية التي نعنيها حينما نتكلم عن الله الذي يسبب ويخلق، فهذه القوانين ليست سوى توصيفات لما لاحظنا حدوثه.

لا يوجد تعارض مع قانون الطبيعة

غير أنه من المهم أن نلاحظ أن المعجزات لا تتعارض مع أي قانون للطبيعة. فكما يقول البروفسور ج. ن. هواثورن: “المعجزات أحداث غير معتادة يسببها الله. أما قوانين الطبيعة فهي تعميمات بشأن أحداث معتادة يسببها الله أيضًا.”

هناك وجهتا نظر بين المسيحيين المفكرين بخصوص علاقة المعجزات بقانون الطبيعة.

أولًا: توظف المعجزات قانون طبيعي “أعلى”، وهو غير معلوم حاليًا بالنسبة لنا. فمن الواضح تمامًا أنه على الرغم من كل الاكتشافات المذهلة للعلم الحديث، ما زلنا نقف عند شاطئ محيط من الجهل. وتقول هذه الأطروحة إنه عندما تتزايد معرفتنا إلى حد كافٍ، سوف ندرك أن الأمور التي كنا نعتقد أنها معجزية لم تكن سوى إعمال لقوانين أسمى للكون، ونحن لم نكن على علم بهذه القوانين.

إن القانون، بحسب المعني العلمي الحديث، هو أمر متكرر ويعمل بشكل منتظم. والقول بأن المعجزة هي نتيجة لقانون أعلى سوف يجعلنا لا نعترف بأي انحراف عن قانون الطبيعة.

ثانيًا: المعجزات الكتابية هي عمل الله الخالق؛ إنها عمل سيادي وسامي لقوة الله الخارقة للطبيعة. ويبدو أن هذا المنظور ملائم أكثر للحقيقة.

لماذا لا تحدث المعجزات الآن؟

كثيرًا ما يقول الناس: “إذا كان الله قد قام بهذه المعجزات في ذلك الوقت، فلماذا لا يقوم بها الآن؟ لو أنني شاهدت معجزة فلربما أؤمن!” لقد جاءت الإجابة على هذا السؤال من يسوع نفسه، إذ حكى عن رجل غني كان في عذاب الجحيم، ورفع عينيه وترجى إبراهيم أن يرسل شخصًا لتحذير إخوته الخمسة لئلا يأتوا هم أيضًا إلى هذا المكان الشنيع. لكن إبراهيم قال له إن إخوته لديهم الكتاب المقدس، إلا أن الرجل الغني اعترض قائلًا إنه لو قام شخص من بين الأموات، فسوف تصدمهم المعجزة فيرجعون عن حياتهم الحاضرة ويتبعون يسوع. وجاءت الإجابة التي تنطبق على أيامنا الحاضرة كما على وقتها لتقول له: “إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون” (لو 16: 31). وهذا هو نفس الواقع اليوم.

يمكن لهذه العبارة التي قالها يسوع أن تتكلم إلينا في وسط ضغوط عاداتنا الثقافية المعاصرة. فبلا وعي هنا تسيطر افتراضاتنا المسبقة على أذهاننا وتجعلنا نستبعد أي إمكانية لحدوث المعجزات. ويخبرنا تفكيرنا ما بعد الحداثي أن المعجزات أمر مستحيل، ولا يوجد أي قدر من الأدلة، مهما زادت، يمكن أن يقنعنا بحدوث أي معجزة. وبشكل تلقائي، سوف يكون البديل هو اللجوء إلى التفسير الطبيعي.

المعجزات الكتابية تتميز دائمًا بأنها موجهة لغرض. هناك مرات عدة كان فيها الناس الذين شاهدوا قوة الرب يسوع يطلبون المزيد من السحر أو القوة الخارقة، غير أن يسوع كان يؤكد باستمرار أن غايته الوحيدة هي أن يعلِّمهم الحق الروحي، ولكي يبرهن على شخصيته وعلى قوة أبيه السماوي. لقد كانت غايته أن يمنحنا الحياة، حياة أفضل، ويعلن الله لنا. “أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يو 1: 17). وهكذا اتجهت كل معجزة نحو هذه الغاية.

السجلات الموثوق بها تؤكد حدوث المعجزات

ليست المعجزات ضرورية بالنسبة لنا اليوم كأساس لإيماننا لأن لدينا سجلات رائعة واستثنائية ذات دقة فائقة تظهر لنا الحق الإلهي. كما يلاحظ رام: “هناك معجزة حقيقية نجدها في الشهادة المكتوية التي لو قمنا بفحصها بما يكفي سوف نرى كيف لهذه السجلات المكتوبة نفس القدرة على تقديم الدليل على حدوث المعجزة كما لو أننا اختبرنا حدوث هذه المعجزة بأنفسنا.”

تعمل جميع المحاكم في كل أنحاء العالم بالاستناد على الشهادة الموثوق بها، سواء الصادرة من الفم أو المكتوبة. ويضيف رام: “لو أن يوحنا شهد بالفعل قيامة لعازر وسجلها بصدق بينما كانت ما تزال واضحة في ذهنه وذاكرته، فإنها، كدليل، تكون بمثابة أننا كنا هناك وشاهدنا هذه المعجزة.” ثم يذكر رام قائمة بالأسباب التي تجعلنا نعرف أن المعجزات تدعمها شهادة كافية وموثوق بها. ونذكرها إيجازًا كما يلي:

أولًا: أجرى يسوع معجزاته علنًا، فهو لم يقم بها سرًا أمام شخص أو اثنين فقط، ثم قام هذا الشخص بإذاعة المعجزة للعالم. لقد توافرت جميع الفرص للتحقق من المعجزات على الملأ. والأمر المثير حقًا أن مقاومي يسوع لم ينكروا أبدًا حقيقة المعجزات التي قام بها، لكنهم إما نسبوها إلى قوة الشيطان أو حاولوا إخفاء الأدلة، كما هو الحال مع معجزة إقامة لعازر من الموت. إذ قالوا: “دعنا نقتله قبل أن يدرك الناس ما حدث فيتبعه العالم كله!”

ثانيًا: قام يسوع بمعجزاته أمام أشخاص غير مؤمنين به. على العكس، نجد أن المعجزات التي تزعمها الديانات أو العقائد الأخرى لا يبدو أبدًا أنها حدثت عندما كان من بين الحضور شخص متشكك. لكن لم يكن هذا هو الحال مع الرب يسوع.

ثالثًا: قام يسوع بمعجزاته خلال ثلاث سنوات خدمته، وشملت معجزاته أنواع مختلفة من القوات، إذ كان ليسوع سلطان على الطبيعة، مثل تحويله الماء إلى خمر؛ وكان له سلطان على المرض، مثلما شفى البرص والأعمى؛ وكان له سلطان على الشياطين، كما ظهر في طرده لهم؛ وكان يتمتع بمعرفة خارقة للطبيعة، كما يظهر في معرفته بأن نثنائيل كان تحت شجرة التين. لقد أظهر قوته على الخلق حينما أطعم خمسة آلاف شخص باستخدام خمس خبزات وسمكتين. وكان لديه السلطان على قوى الطبيعة عندما هدَّأ العاصفة والأمواج. وأخيرًا، فقد أظهر سلطانه على الموت نفسه في إقامة لعازر وآخرين من الموت.

رابعًا: شهادة الجموع أمر لا يمكن إنكاره. فكما سبق أن لاحظنا، لدينا هذه الشهادة من هؤلاء الناس، مثل لعازر، الذين حدثت معهم معجزات الشفاء التي لا يمكن أن تكون مجرد أعراض نفس-جسدية أو ناتجة عن تشخيصات غير دقيقة.

خامسًا: بالمقارنة مع الديانات الأخرى، فإن هذه السجلات عن يسوع الناصري تُعَد متفردة بشكل غير عادي، وهي تدخل ضمن فئة مختلفة كليًا، ولها غرض مختلف تمامًا. إنها ليست سوى جزء من رسالة كلية وحقيقية: رسالة ميلاده ورسالته للغفران وموته وقيامته.

عادةً ما يؤمن الناس بالمعجزات في الديانات الأخرى لأنهم يؤمنون بالفعل بهذه الديانة، ولكن في الديانة الكتابية، تكون المعجزة جزءًا من الوسيلة التي بها يتم التأكد من صحة الديانة. هذا التمايز له أهمية شديدة الخصوصية. فقد وُجِدَ بنو إسرائيل نتيجة لسلسلة من المعجزات، كما تغلب على الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم مجموعة من العجائب. وقد عُرف الكثير من الأنبياء بأنهم يتكلمون بلسان الله بسبب قوتهم وقدرتهم على القيام بالمعجزات. وجاء يسوع ليس فقط كواعظ وإنما أيضًا كصانع معجزات، كما صنع الرسل معجزات عجيبة من وقت لآخر. وهكذا كانت المعجزة هي التي تؤكد صحة الدين في كل وقت.

وكما كتب سي. إس. لويس: “أعتقد أن كل أساسيات الهندوسية سوف تظل قوية لو أنك حذفت الجانب المعجزي، ونفس الأمر تقريبًا ينطبق على الإسلام، ولكنك لا تستطيع عمل ذلك مع المسيحية. فهي تحديدًا قصة معجزة عظيمة. ولذا فإن المسيحية ذات التوجه الذي ينكر المعجزة ينزع تمامًا من المسيحية كل ما يميزها ويجعلها بالفعل مسيحية.”

هل يمكن أن تكون المعجزات تقارير مبالغ فيها؟

أجريت بعض المحاولات لتفسير المعجزات على أساس أنها تقارير مبالغة، خاصةً تلك التقارير التي دونها أتباع يسوع. وعمومًا، يمكننا القول بأن الناس غير مدققين في عرضهم للأحداث والانطباعات. فما عليك إلا أن تلعب اللعبة البسيطة التي تسمى “الشائعة” والتي فيها يهمس المشاركون بسر من شخص لآخر في غرفة وانظر إلى التفاصيل التي تغيرت من خلال تناقل هذا السر. وفي ضوء هذا الميل، يقول البعض إنه من الواضح أن إمكانية الاعتماد على أي إنسان كملاحظ أو شاهد يمكن الطعن فيها بسهولة. وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نطعن في مصداقية ما ذكرته الأناجيل عن المعجزات باعتبارها ملاحظات خاطئة لأشخاص غير مدققين ولديهم خيال واسع.

وبالرغم من هذا الميل السائد لدى البشر، فإن المحاكم لم تتوقف عن استخدام الشهادة، وما زال شهود العيان قادرين على توفير معلومات مفيدة للغاية. ومع أنه قد يكون هناك بعض التساؤل حول حادثة سيارة مثلًا، إلا أن التفاصيل التي يقدمها شهود العيان يمكن أن تمدنا بالمعلومات عن الوقت وسرعة السيارة ومكان الحادث وغيرها. ولا يمكن القول بأن هذه الحادثة لم تحدث بسبب التناقض في روايات شهود العيان. فكما يلاحظ رام فإن السيارات المحطمة والأشخاص المصابين هم الدليل غير القابل للجدل الذي يتفق عليه الجميع.

بالطبع نرى أنه قد يتواجد قصور في البراهين المطروحة مثل مدى إمكانية الاعتماد على الشهود. وسوف تُمنح كل الاعتبارات لمساعدتنا على رؤية أن بعض الحجج عندما يتم دفعها إلى أقصى حدودها فإنها قد تتسبب في دحض التأكيدات التي كانت موضوعة في الأصل للدفاع عنها. على سبيل المثال، مَنْ يشككون في إمكانية الاعتماد على شهادة البشر هم أنفسهم يفترضون أنه من الممكن الاعتماد على شهادتهم. بمعنى آخر، إذا قال شخص إن شهادة شخص آخر لا يمكن الاعتماد عليها، فثمة إمكانية مساوية أن شهادة هذا الشخص نفسه تصير غير قابلة للاعتماد عليها.

السؤال فلسفي

السؤال الأساسي بخصوص إمكانية حدوث المعجزة ليس سؤالًا علميًا، بل فلسفيًا. فباستطاعة العلم فقط أن يقول إن المعجزات لا تحدث في المسار العادي للطبيعة، بيد أن العلم لا يمكنه منع المعجرات لأن قوانين الطبيعة لا تسايرها، وبالتالي فالعلم لا يمكنه منع أي شيء، لأن قوانين الطبيعة، كما نراها، ليست سوى توصيفات لما يحدث في الواقع.

المسيحي أيضًا يقبل بمبدأ قانون الطبيعة. “فمن المهم جدًا لعقيدة المعجزات الإيمانية أن تكون الطبيعة منتظمة (يمكن التوقع بها) في روتينها اليومي. ولكن لو كانت الطبيعة عفوية (لا يمكن التوقع بها) تمامًا، فسيصير من المستحيل التعرف على المعجزة.”

لكن الاختلاف بين المسيحي والمؤمن بالعلم فقط هو اختلاف فلسفي طالما أن كلًا منهما لديه افتراضات مسبقة مختلفة عما لدى الآخر، وهذه الافتراضات تشكل الأساس الذي تقوم عليه جميع آرائنا. وهنا تعتمد إمكانية رؤية شيء ما على أنه معجزة على افتراضاتنا المسبقة وعلى وجهة نظرنا أو على منظورنا للعالم بأثره.

ما هو إذن الافتراض المسبق للمسيحي؟ الله موجود، وهو قد أسَّس قانون الطبيعة، ويمكنه أن يخترقه أو لا يخترقه. إن الله الخارق للطبيعة والإله الشخصاني المتفاعل هو الأساس الذي يكمن وراء كل الظواهر الطبيعية والروحية. قال ج. ك. شسترتون: “المعجزة أمر مذهل، ولكنها الأمر بسيط. وهي بسيطة لأنها معجزة. إنها قوة آتية مباشرة من الله بدلًا من أن تأتي بصورة غير مباشرة من خلال الطبيعة أو المشيئة البشرية.”

إذن، ما هو الافتراض المسبق للعالم اللاأدري أو الملحد؟ الله غير موجود ولا يمكنه أن يوجد. والعلماء عمومًا (ما لم يكونوا مؤمنين) يصدرون كل أحكامهم وآرائهم بالاستناد على الملاحظات الطبيعية والمادية، ويعتقدون أنه لا يوجد أي بديل آخر. ومن منطلق هذا الافتراض المسبق فلا يمكن للخارق للطبيعة أن يخترق الطبيعة وبالفعل لا يجب أن نضع له أي اعتبار. العالِم، مثله مثل أي شخص آخر، يمكنه أن يسأل فقط: “هل سجلات المعجزات يمكن الاعتماد عليها تاريخيًا؟” لكنه لا يستطيع أن يتقدم لخطوة أخرى أكثر من ذلك.

كموجز للأفكار التي تتعلق بالمعجزات، رأينا المعجزات في الكتاب المقدس كجزء أساسي من تواصل الله معنا – وليس مجرد ملحق ذي أهمية ضئيلة. كما أخذنا هذا أيضًا مرة أخرى إلى السؤال المطلق: هل الله موجود؟ فبمجرد الوصول إلى إجابة عن هذا السؤال تتوقف المعجزات عن أن تكون مشكلة، حيث إن النظام والانتظام نفسه الذي تعارضه المعجزة بقوة هو نفسه يعتمد على الإله كلي القدرة الذي أوجد قانون الطبيعة والذي هو أيضًا قادر على تجاوز هذا القانون لتحقيق مقاصده السيادية.

كتاب/لماذا أؤمن؟ إجابات منطقية عن الإيمان
بول ليتل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى