جورج عبده
في الكثير من نقاشاتي مع أصدقاء ملحدين حول سؤال: “هل الله موجود؟”، وبعد تقديم العديد من الأدلة على وجوده، أُطالب صديقي الملحد بأن يقدم إثبات على عدم وجود الله، فلماذا أصدقه بدون أن يدعم موقفه؟ لكن سرعان ما يأتي الجواب الواثق أنه: إذا كان لا يوجد إثبات على عدم وجود شيء، فهو غير موجود أصلاً! لذا من غير المنطقي أن أطلب شيء كهذا.
سبايدرمان
سألني أحدهم مؤخراً: طهل تستطيع أن تثبت أن سبايدرمان غير موجود؟” محاولاً أن يبرهن صعوبة إثبات عدم وجود الأشياء أو لربما السخرية. فبهدف إبقاء القليل من المرح في النقاش، قدمت له دليل على عدم وجود سبايدرمان.
سبايدرمان يدافع عن وجوده!
إليكم دليلي: سبايدرمان عبارة عن شخصية كارتونية (سينمائية) باسم بيتر باركر من مدينة نيويورك، وبحسب الادعاء، حلت بهذا الإنسان طفرة جينية بسبب لسعة عنكبوت وأصبحت لديه قدرات خارقة! إذاً نستطيع، ولو نظرياً، أن نقوم بفحص جيني لكل مواليد نيويورك (ويمكن توسيع الفحص للعالم بأجمعه إن احتجنا) والبحث عن شخص مع طفرة جينية غريبة. في حال لم نجدها، نفهم أن سبايدرمان، وبكل أسف، غير موجود بيننا اليوم. لذا إثبات عدم وجود سبايدرمان، ولو نظرياً، أمر ممكن.
إثبات على عدم وجود
الحقيقة هي أن هناك العديد من الإثباتات على عدم وجود أشياء، ولا أرى صعوبة ما في الأمر. أستطيع أن أثبت لكم أنه لا توجد قنبلة ذرية في غرفتي، وأن أثبت عدم وجود ديناصورات حية على الأرض، وعدم وجود فيروس HIV (الإيدز) في جسمي. أستطيع وبكل تأكيد إثبات عدم وجود دولة إلحادستان وشبه جزيرة اللاأدريين. يمكنني المتابعة بإعطاء الأمثلة وكتابة آلاف الأسطر عليها، لكن أظن أن النقطة واضحة: هنالك إثباتات كثيرة على عدم وجود الأشياء.
البعض قد يعترض أن الأمثلة التي أعطيتها هي أمثلة مادية تجريبية أما الله فهو كائن غير مادي ميتافيزقي. لكن في الواقع، نستطيع الإثبات بطرق غير تجريبية أيضاً. مثلاً، أستطيع أن أثبت عدم وجود رجل أعزب متزوج، بدون فحص تجريبي، بل من خلال المنطق. أستطيع أيضاً إثبات عدم وجود أشياء غير مادية بنفس الطريقة، مثلاً إثبات عدم وجود دائرة مربعة، أو عدم وجود أي عدد صحيح بين الأعداد 1 و2. عالم الرياضيات الشهير ديفيد هيلبرت حاول تقديم برهان منطقي على عدم وجود عدد لا نهائي من الأشياء في الواقع. وهنالك مقالات أكاديمية كثيرة تحاول إثبات عدم وجود أشياء مجردة أو ميتافيزيقية، كالأرقام أو حتى القيم الأخلاقية. لذا فاعتراض الملحد أن الله كائن ميتافيزيقي لا يعفيه من دعم موقفه.
من الجدير بالذكر أنه، بمعادلات المنطق، إثبات عدم الوجود ليس بشيء خاص. فمثلاً، إن أخذنا هذه الفرضية: “كل خروف لديه صوف”، يمكن أن نقولها بصيغة النفي مع الحفاظ على نفس المعنى: “لا يوجد خروف بدون صوف”. الفرضيتان متطابقتان، فإن أثبتت الأولى، تثبت الثانية أيضاً. وللتشديد، في الفرضية الثانية نحن نثبت “عدم وجود” خروف بدون صوف.
عبء الإثبات
البعض يدعي أني أُحول عبء الاثبات على الملحد، إذ أنني كمؤمن أدعي وجود الله والبينة على مَنْ ادعى! لنرجع إلى السؤال الأساسي الذي ابتدأنا به: “هل الله موجود؟” الطريقة التي أتبعها في الإجابة هي عن طريق وضع الأدلة التي تدعم وتعارض الادعاء على كفتي الميزان وفحص أي كفة هي الأثقل. نعم، أنا أدعي أن الله موجود، والبينة علي، ولم أتهرب يوماً من تقديم الأدلة على وجود الله، فكما ذكرتُ سابقاً، هناك حوالي 26 دليل على وجود الله وقد تكلمتُ عن الكثير منها. ماذا عن كفة الميزان الأخرى؟ هل هنالك مَنْ يدعي أن الله غير موجود؟ بما أنه يدعي ذلك، فالبينة عليه أيضاً، ولذلك سيكون مُطالَباً بتقديم الأدلة. ليس من مصلحته أن يُبقي كفته في الميزان فارغة، فأصغر الأدلة على وجود الله وأضعفها قد تحسم الأمر! وبالإضافة إلى ذلك، إن ترك الملحد كفته فارغة سيُعرِّض نفسه لأسئلة كثيرة محرجة مثل: على ماذا يتأسس موقفه الإلحادي؟ ما الذي يبرر صحته؟ لماذا أصدقه؟ لذا، إن كان يدعي أنه يتبع المنطق والعلم وليس الإيمان الأعمى بالإلحاد، فعليه أن يدعم موقفه ولا مجال للتهرب.
مع أن الكثير من الملحدين الجدد يتهربون، لكن في الواقع هناك الكثير من الفلاسفة الملحدين المحترمين أكاديميا الذين قدموا بعض الأدلة على عدم وجود الله. وبهدف إثراء معرفة أصدقائي الملحدين والمؤمنين، سأبشركم بأسماء البعض الذين أنصح بمتابعة كتاباتهم:
وليم رو: اشتهر بصياغته لمشكلة الشر – William Rowe
جيه. إل. شيلينبرج: اشتهر بمعضلة اختباء الله – J.L. Schellenberg
جراهام أوبي: يعتبر أحد أشهر الملحدين الأكاديميين المعاصرين – Graham Oppy
جيه. إل. ماكي: اشتهر بتشكيكه في وجود القيم الأخلاقية الموضوعية – J. L. Mackie
بطبيعة الحال، هنالك نقاش أكاديمي طويل وشيق بين هؤلاء الفلاسفة وفلاسفة آخرين. كلٌ يحاول فحص الأدلة ودعمها أو نقدها ويصارع فكرياً مع الحجج والأفكار المُقدمة، لكنني لم أر هؤلاء الأشخاص الأكاديميين يتهربون من تبرير مواقفهم. لذا أدعو أصدقائي الملحدين أن يفحصوا معتقداتهم، وأن يستعدوا هم أيضاً لتبرير إيمانهم بعدم وجود الله، وينضموا إلى معركة فكرية أكثر جدية.